إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

[قرآن مسيلمة الكذاب]

صفحة 101 - الجزء 1

  فيكتسب ذلك البيت وذلك الفصل من العذوبة والرونق ما يصيِّره غُرة في سائره، وهذا من عجيب ما اختص به القرءان، وفيه دلالة واضحة أنه مباين لكلام البشر والحمد لله.

  وقد رأيت بعض من كان يتعاطى الفصاحة، ويدعي البلاغة من أهل عصرنا هذا، يعجب بفصل يحكيه عن طليحة الأسدي، وهو «ما يفعل الله بتعفير خدودكم، وفتح أدباركم، اذكروا الله أعفة قياما».

  وكان يقول: «ما هذا بكلام رذِل». وكان يوشح به ما كتب، أُقدِّره أنه منطوي عليه.

  وهذا الفصل إنما صار له يسير من الرونق، لأنه أدخل فيه شيئا من ألفاظ القرءان، لأن الله تعالى يقول: {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ}⁣[البقرة: ١٤٧]، فأخذه، وأخذ «اذكروا الله أعفة» من قوله تعالى: {يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا}⁣[آل عمران: ١٩١]، ومن قوله تعالى: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ٤١}⁣[الأحزاب].

  على أن هذا القدر وبأضعافه لا يمكن أن يعرف حال الكلام، وحال المتكلم، كما أن بالبيت الواحد وبالبيتين لا يمكن أن يعرف حال الشاعر، و بالفصل الواحد وبالفصلين وبالثلاثة لا يمكن أن يعرف حال الكاتب والكتابة. وإنما يمكن أن يعرف ذلك إذا امتد نَفَس الكلام،