إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

الكلام في بيان أن الإعراض عن المعارضة إنما كان للتعذر

صفحة 118 - الجزء 1

  وبذلُ هذه الأمور لا تصح من العاقل لإبتغاء أمر وطلب حال، إلا إذا كانت دواعيه إليه، وبواعثه عليه، تكون قد بلغت في القوة مبلغا عظيما، حتى قاربت حد الإلجاء وإن لم تكن بلغته.

  على أن الأسباب المقوية للدواعي والبواعث كانت حاصلة، فلا بد من حصول قوتها، لأن أقوى الدواعي أن ينظر الانسان إلى نظرائه في النسب، ويدعي عليهم الرئاسة، وأنه يجب عليهم الإنقياد له، والخضوع لأوامره ونواهيه فيما يحكم عليهم ولهم، في أنفسهم وأموالهم وأهليهم وذراريهم، مع ذمه من خالفه منهم فلم يتبعه، ولم ينقد له، وتكفيره إياهم، وذم أديانهم، وما كان عليه آباؤهم وأسلافهم، من غير رئاسة كانت له عليهم، ولا زيادة في مال أو جاه أو ملك يتميز به منهم، بل يكون في القوم من يزيد عليه في كثير من الأحوال، ثم تكون أحواله مع ذلك في ضمان القوة، وآخذة في المزيد، وأحوال القوم آخذة في جانب التراجع، ماضية في حيز التهافت، مع حصول تلقيهم بالامكان لجميع ما ادعاه ودعاهم إليه وشدة امتعاضهم لذلك، مع أن القوم يُعرفون بالعصبية، وشدة الحمية. والقرءان مما كانوا يعتقدون أن عليهم فيه سُبة وعارا، وكل ما ذكرناه كانت أحوال القوم مع رسول الله ÷، فدل ذلك على قوة