إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

الكلام في بيان أن الإعراض عن المعارضة إنما كان للتعذر

صفحة 119 - الجزء 1

  دواعيهم إلى ما ذكرنا، ولم يجز مع ذلك أن لا يقع منهم معارضة القرءان لولا تعذرها عليهم.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون القوم خَفيَ عليهم أن معارضة القرءان أبلغ الأشياء في إبطال دعواه، وإزالته عما كان يتوخاه، فأعرضوا عنها إلى ما سواها، واشتغلوا بما عداها؟!

  قيل له: هذا لا يجوِّزه مَن عرف أحوالهم، لأنهم كانوا أعرف الأمم بمواقع المخاطبات، ومذاهب المعارضات، إذ تلك من عاداتهم السالفة، وسجاياهم الخالفة.

  ولا يجوز أن يكون خفي عليهم أن معارضته لو تمكنوا منها تكون أبلغ الأشياء في توصُّلهم إلى مرادهم فيه، لأنه صلى الله عليه وآله لم يكن يدعي ما كان يدعيه لتمكنه من مال أو سلطان أو اقتدار، أو تعزُّز بشريعة يصدرون عن أمره فيما يمثله لهم من محاربة عدو، أومعاونة ولي، وإنما كان يدعي أنه رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن شعاره ودثاره الصدق ومجانبة الكذب، ومن يكون كذلك لا يخفى على العقلاء أن أبلغ الأشياء في تبديل حاله، وتفريق أصحابه ورجاله عنه، إظهار كذبه فيما يدعيه ويقوله.

  وهب أن ذلك يخفى على الواحد والاثنين لغفلة تعرِض - مع تعذر ذلك - كيف يجوز أن يخفى ذلك على العدد الكثير، والجم الغفير؟!