إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،

المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني (المتوفى: 411 هـ)

الكلام في بيان أن الإعراض عن المعارضة إنما كان للتعذر

صفحة 120 - الجزء 1

  وهب أن ذلك يخفى مدة من الزمان يسيرة، كيف يجوز أن يخفى ذلك ثلاثا وعشرين سنة؟!

  وهب أنهم ظنوا في أول الأمر أنهم يقمعونه بالحرب والقتال. كيف يظنون ذلك بعد ما كشفت لهم تلك الحروب عن قوة أمره، وضعف أمرهم، بل قتل كثير من صناديدهم وساداتهم حربا وصبرا، وسبي كثير من ذراريهم، ونفي كثير منهم عن أوطانهم؟ وهذا أوضح من أن يحتاج له إلى تطويل الكلام!

  فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون ذلك خفي عليهم، لأنهم كانوا إخوان الحروب، وأصحاب الغارات، ولم يتواتر أن ضربوا في الجدل وطرائقه بسهم، ولا ثبت لهم في ذلك قدم، ولم يكن النظر في الديانات، والبحث عن صحيحها وسقيمها، والتنقير عن الطرق المؤدية إلى الفصل بين الحجج والشُّبه من عاداتهم؟!

  قيل له: هذا ما لا يجوز أن يخفى عليهم، لأن علمهم بالمعارضات وطرقها كان أقوى علومهم، ومعرفتهم بها أكثر معارفهم، وما يجري هذا المجرى يكون العلم به ضروريا، ثم العلم بأن من ادعا حالا من الأحوال، واعتصم لصحته بأمر من الأمور، فأقوى الأشياء في إيضاح كذبه، والإبانة عن إفترائه وتقوُّله، هو تبيين فساد ما اعتصم به، وسقوط ما التجأ لتصحيح دعواه إليه، من العلوم الضرورية التي يشترك فيها العقلاء، والمراهقون الذين قاربوا كمال العقل، وإن لم يكونوا بلغوه.