الكلام في بيان أن الإعراض عن المعارضة إنما كان للتعذر
  واليهود كانوا يتعاطون النظر في الديانات، وكذلك النصارى، فهلا تهيأ لهم من ذلك ما خفي على مشركي العرب؟ وهلا اهتموا بها - أعني اليهود والنصارى - إذ كان فيهم الفصحاء والبلغاء وأرباب الألسن، لولا علمهم بتعذرها عليهم.
  على أن ما روي عن الوليد بن المغيرة، وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف فيما تقدم ذكره، يدل على أن القوم كانوا فطنوا لذلك، ولم يكن خفي عليهم، وكانوا قد صرفوا همهم إلى الاشتغال به، فبان أن الذي أوجب كفهم هو التعذر.
  وإنما كان لسهوٍ عرض لهم، وخطأ في التدبير اتفق عليهم، فقد يعرض السهو فيما يكون العلم به ضرورة، ويتفق الخطأ والذهاب عن الرأي في كثير من التدبير.
  ولهذا تجد الخطأ يكثر في تدبير العقلاء في الحروب والسياسات، والأمور العامة والخاصة.
  قيل له: إن الذي يجري هذا المجرى من الخطأ والانحراف عن الصواب، إن اتفق يتفق للواحد والاثنين، والمرة بعد المرة.
  فأما أن يكون العدد الكثير من العقلاء، تمر عليهم السنون، وتكرُّ عليهم الأعوام، وهم على ضربٍ من السهو فيما يكون العلم به ضرورة. ولا يتنبهون عليه، ولا يتنبه عليه واحد منهم، على مر الزمان، وتطاول الأعوام، فذلك مما يستحيل، ولا يجوز توهمه.