تفسير الثمرات اليانعة،

يوسف بن أحمد الثلائي (المتوفى: 832 هـ)

قوله تعالى: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}

صفحة 387 - الجزء 4

  وقد جاءت عاطفة، ورجوع الاستثناء إلى الآخر نحو قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا}⁣[النساء: ٩٢] فإنه يرجع إلى الأخيرة؛ لأن التصدق لا يؤثر في الإعتاق.

  وأما قوله تعالى: {وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً}⁣[النساء: ٨٣]

  ففي هذه الآية ثلاث جمل وتعقبها الاستثناء وهو قوله تعالى: {إِلَّا قَلِيلاً} فيبعد حمله على ما يليه؛ لأنه يؤدي إلى أن لا يتبع بعض من لم يشمله فضل الله ورحمته.

  وقد قيل: إنه يرجع إلى قوله: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} إلا قليلا منهم وهم من حصل منه تقصير وإهمال.

  وقيل: يرجع إلى قوله: {أَذاعُوا بِهِ} إلا قليلا.

  وقال الغزالي وغيره: يحتمل رجوعه إلى الأخيرة، ويكون المعنى: ولو لا فضل الله عليكم ورحمته ببعثة محمد ÷ {لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً} ممن عصم من الكفر كأويس القرني⁣(⁣١)، وزيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة الأيادي، فإذا كان ورود مثل هذا في اللغة جائزا لم نصر إلى رجوعه إلى الكل أو إلى البعض إلّا بدليل يدل على أحد الوجهين حقيقة.

  وأما الجويني: فقدر في هذه الآية تقديرا غريبا فقال قوله تعالى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً} حكم برد الشهادة، وقوله تعالى: {وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ} في معنى التعليل بمعنى ردت شهادتهم لكونهم فاسقين {إِلَّا الَّذِينَ تابُوا} فليسوا: بفاسقين فشهادتهم مقبولة.


(١) ينظر في تمثيله بأويس القرني، فإنه تابعي محقق، لم يمسه كفر، فيحقق.