قوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله}
  لقوله تعالى في سورة الحج: {ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج: ٣٣] وقوله تعالى في سورة المائدة: {هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ}[المائدة: ٩٥](١).
  الجهة الثالثة: أنه تعالى جعل بلوغ الهدي غاية لإباحة الحلق، فعرف أن موضع الهدي غير موضع الإحصار، وإلا لم يكن لقوله تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} فائدة؛ لأنه قد بلغ، ثم إنهم استظهروا في الحجة بالقياس على دم القران، والمتعة، ودم الجزاء؛ لأن جميعها دم يتعلق بالإحرام، وبالقياس على الفدية؛ لأنه دم لاستباحة المحرم بالإحرام، وتعلق الشافعي بقوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} ولم يخص مكانا.
  قالوا: وقوله تعالى: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} أي: زمن ذبحه.
  واحتج أيضا بأنه ÷ ذبح هديه في الحديبية، وهي خارج الحرم.
  قلنا: الحديبية بعضها من الحل، وبعضها من الحرم، وكان ÷ يصلي في الحرم، وخباؤه في الحل، وكانت البدن تضطرب في الحرم، وعن الزهري «أنه ÷ نحر هديه في الحرم».
  وقال الواقدي: الحديبية هي طرف الحرم على تسعة أميال من مكة، وقوله تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}[الفتح: ٢٥] أراد محله المعتاد(٢) المندوب إلى الذبح فيه، وهو فجاج مكة، ولم تكن ممنوعة من الحرم جميعه؛ لأنها منعت ابتداء، ثم زال المنع، وإنما يختص الهدي مكانا لدم الحج، وهو منى، فذلك رد، وقياس إلى دم القران، والمتعة، وهو محتمل للكلام.
(١) أي: ما يليه، وهو الحرم. كما في البيضاوي، والكشاف.
(٢) هذا جواب لما احتج به الشافعي من قوله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} الآية.