الأمالي الكبرى (الخميسية)،

يحيى بن الحسين الشجري (المتوفى: 479 هـ)

الحديث التاسع في التوبة وما يتصل بذلك

صفحة 266 - الجزء 1

  وأما العبيد فثلاثة: فعبد طمع يتعبد لأهل الدنيا يطأ أعقابهم يحلف بحياتهم، ويلتمس فضل ما في أيديهم ليصيب شيئا من دنياهم، استوجب الذل في الدنيا والعذاب في الآخرة، وعبد أذنب ذنبا لا يدري ما اللّه صانع به فيه، فما أعظم خطره. وعبد رق ينتظر الفرج.

  وأما الدنيا فثلاثة أيام: مضى أمس بما فيه فلا يرجوه، وصار اليوم في يديك ينبغي أن تغتنمه. وغد لا تدري من أهله تكون أم لا. أما أمس الماضي فحكيم مؤدب، وأما اليوم القادم عليك فصديق مودع، وأما غد فليس في يدك منه شيء إلا أهله، فإن كان أمس الماضي فجعلك بنفسك فقد أبقى اليوم في يدك حكمه ينبغي لك أن تعمل به، فقد كان طويل الغيبة عنك اليوم وهو سريع الرحلة عنك اليوم، وأما غد فليس في يدك منه إلا أمله فخذ الثقة بالعمل ودع الغرور بالأمل، قال سعيد هذا الحديث رتبوه ودبروه.

  ٩٠٨ - وبه: قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن علي بن الفتح الجرمي المعروف بابن العشائري قراءة عليه بمسجد في شارع دار الرقيق، قال: حدّثنا أبو الطيب عثمان بن عمرو بن محمد بن المنتاب الدقاق الإمام، قال: حدّثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، قال: حدّثنا الحسين بن الحسن المروزي، قال: أخبرنا يزيد بن زريع، قال:

  حدّثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان، قال: احتجب عبد اللّه بن عمرو فأرسلنا إليه امرأة، فقالت: ما الذنب الذي لا يغفره اللّه؟ فقال: ما من ذنب أو قال: من عمل يعمله الناس بين السماء والأرض يتوب العبد إلى اللّه منه قبل أن يموت إلا تاب اللّه عليه.

  ٩٠٩ - وبه: قال: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي الأزجي بقراءتي عليه، قال: حدّثنا أبو الحسن علي بن عبد اللّه بن الحسن بن جهضم الهمداني من لفظه في المسجد الحرام بباب الندوة، قال: حدّثنا عبد السلام بن محمد، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن عبد السلام. قال سمعت علي بن سلمة بن قتيبة يقول: قال إبراهيم بن الأشعث: كان مبتدأ توبة فضيل بن عياض أنه خرج عشية يريد مقطعة وكان يقطع الطريق، فإذا بقوم حمارة معهم ملح فسمع بعضهم يقول: مروا مروا لا يفجأنا فضيل فيأخذ ما معنا، فسمع ذلك فضيل فاغتم وتفكر، وقال: تخافني الخلق هذا الخوف العظيم، فتقدم وسلّم عليهم وقال لهم وهم لا يعرفونه: تكونون الليلة عندي وأنتم آمنون من الفضيل، فاستبشروا وفرحوا وذهبوا فأنزلهم وخرج يرتاد لهم علفا ثم رجع فسمع قارئا يقرأ: {أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}⁣[الحديد: ١٦] فصاح ومزق ثيابه على نفسه، وقال بلى واللّه قد آن، فكان هذا مبتدأ توبته.