مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم العيانى،

القاسم بن علي العياني (المتوفى: 393 هـ)

[مسائل كويل بن الحسن]

صفحة 161 - الجزء 1

  لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ ٩٤}⁣[يونس: ٩٤]. ما أراد بهذا القول؟

  الجواب: اعلم أن معنى هذه الآية وتأويلها يخرج على أحد وجهين:

  فمن ذلك أن يكون رسول اللّه ÷ في أول ما أنزل عليه الوحي خاف أن يكون ذلك عارضا داخل عقله، فلم يتحقق يقينه، ولم يكن في اليقين أصح من إقرار الضد لضده، والخصم لخصمه، فلما علم اللّه جل اسمه أن ذلك قاطع لما شك فيه نبيه، أمره بسؤال أهل الكتاب المكذبين، والشك منه ~ وعلى اللّه وسلم فلم يكن في اللّه سبحانه، ولا فيما نزل عليه من فرقانه، وإنما كان شكه في نفسه إتهاما منه أن يكون عرض لها، وقد يروى أنه كان يغمى عليه في وقت نزول الوحي إليه، فهذا وجه قد روي وتأوله أكثر الناس واللّه أعلم بصحته.

  وأما الوجه الثاني فهو الذي أعتقده، ولا أعدل بالمعنى عنه، وهو أني أقول: إن المخاطب رسول اللّه ÷، والمراد بالخطاب سواه، لأنه ~ وعلى اللّه وسلم، بعيد من الشك في اللّه، وفيما نزل من عنده، وإنما المعنى: ومن شك فيما نزل عليه، فخاطبه اللّه سبحانه بهذا الخطاب تنبيها لمن شك، ودلالة لهم على سؤال أعدائه عن حقيقة ما أتى به، وذلك أن إخوانهم من أهل الكتاب لم يكونوا يكتمونهم شيئا مما في صحفهم، ثقة بهم ألا يظهروا ذلك لمحمد وأصحابه، فأراد اللّه تبارك وتعالى إثبات الحجة عليهم بذلك، وجعل الخطاب والأمر بالسؤال لسواهم، لأن يخف عليهم ذلك، فيسألون عنه من يثقون به، ولم يخصهم اللّه سبحانه