[عهد القاسم لأهل ولايته]
  تخشاه، ولو لم يكن ذلك من البشر إلا من الملائكة الموكلين بك، وأقرب من أولئك رب لا يخفى عليه خافية، وهو يقول وقوله الحق المبين: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ١٦ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ١٧ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ١٨}[ق: ١٦ - ١٨].
  فكيف وأنى تكون نجاتك من رب يعلم ما تخفي وما تبدي وتعيد؟! وأملاك بحركاتك قد وكلوا، وعباد أحرص عليك من الموكلين بك، فبين مطلع بحقيقة ما أنت عليه، وذي بغضاء يهوى الظهور على عوراتك، والسعاية بذمامتك، والطعن على من نسبت عليه من آبائك، فمن(١) كل ذلك فاحرس نفسك، واملك إربك، ولا يضيعن النسيان عقلك، فيؤول بك ذلك إلى فتح الذمامة، وكثرة الملامة والدناءة، عند الخاصة والعامة، لرب ما أخفى المرء بعض ما يعاب من فعله، فأدرك علم لك في تصرفه، وخلطة من يتصل(٢) به، فابعد بنفسك عن مخالطة أهل الريب كيلا تنسب إليهم، ويناط فعلك بفعلهم، وقد قال النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم: «الناس على أشكالهم أميل»، وقال بعض الحكماء:
  وقارن إذا قارنت حرا فإنما ... يزين ويزري بالفتى قرناؤه
(١) في السيرة: ممن. والصواب ما أثبت.
(٢) في السيرة: تتصل. والصواب ما أثبت.