[كتابه إلى ولده جعفر]
  ، إذ ذلك أوفق من الترك، وليس كل الرجال يعرف ما يصلح له، وإنما الذي يحظى(١) بالمعرفة من قد جرب الأمور، ودارت عليه دورات(٢) الزمان.
  وأنت يا بني غر عن الدنيا وما فيها، شاور الناصح إذا عرفته، وربما أفن رأي الناصح المحب، ولكنه يتقلد اللائمة في ذلك، ولا ترم أنت نفسك بعد مشاورتك.
  إياك يا بني أن تعجل بعقوبة من أدّبت حتى تعرف ما يفعل، فإن المغتاظ يغرب عن عقله، ومن قدرت أن تضربه بسوطك فلا تضربه بسيفك، ومن قدرت على حبسه فلا تضربه بسوطك، ومن كفاه الكلام منك فلا تلقه في حبسك، ثم عليك بترك الانبساط وإكثار المقول، وردّ تحية من حياك أوجب من حياطتك عن خطئه بأصوب القول، ثم أمسك فإنك تقدر بعد الإمساك على ما تشاء من القول، ولست تقدر على رد ما يندم على قوله من الكلام.
  واعلم أن المروءة التي تناهى إليها الصفة، والعفة التي ليس مثلها عفة، الزهد في حطام الدنيا، وقلة الشّره إلى ما في أيدي الناس، غيّر عما تدعوك نفسك إليه، ووفر مال من عرض عليك ماله، وربما أعطى الإنسان عطية تختبر فيها مكنونه، وتعرف بها همته، فإياك ثم إياك أن تقبل هدية من أحد ولا تقضه حاجته، وتغنّ بما قسم اللّه لك وأنا زعيمك بقضاء حاجتك، وجلالة قدرك، إذا أديت ما فرض اللّه عليك، وجعلت حاجتك إليه، والسلام، وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وسلم.
(١) في السيرة: يحظ. والصواب ما أثبت.
(٢) في السيرة: دوران. ولعل الصواب ما أثبت.