وصية الإمام المنصور بالله القاسم بن علي بن عبد الله العياني
  خيامها، وكم من حرة خرجت مدنية جلبابها لم يدرك لها معرفة، ومحجبة في منزلها، عرف من ظهور صوتها ما دل على عورة منها لم تكن تستتر إلا بالسّكات، وفي مثل ذلك ما ذكر عن النبي ÷ أنه قال:
  «النساء عي وعورات فاستروا عيهن بالسكوت وعوراتهن بالبيوت».
  وليس لكم يا بني عون على ما عرّفتكم مثل أن تتبعدوا مجالس من يغشاكم من الرجال - قربوا أو بعدوا - من منازل حريمكم، وائتمروا بينكم بالمعروف كما أمركم اللّه، فإن ذلك أنفى للمنكر، وأعظم للأجر، وأحسن في الذكر.
  وإياكم وإغفال مشاورة أهل الدين، والاستعانة بهم على ما تجهلون، فإنكم إن لم تفعلوا ذلك واجتزيتم برأيكم من قبل التجربة، عرّضتم أنفسكم وأموالكم وأعراضكم للخطر، ودار عليكم من الزمان دورات بينة(١) الرأي، بعد كون المكاره، ولذلك قيل «إن التجربة لقاح العقل».
  وإياكم والتكبر على أحد من البرية، فإن الكبر يورث الصّغر، ويحبط الأجر، اجعلوا أنفسكم عندكم كأصغر من تشاهدون من الناس، فرب مستصغر في البرية كبير عند اللّه، وفي مثل ذلك روي لنا عن النبي ÷ أنه قال: «إن اللّه سبحانه خبى ثلاثا في ثلاث: خبى وليه في صالح عباده، فإذا رأيت عبدا فلا تحقره، فلعله ذلك الولي وأنت لا تعرفه، وخبى رضاه في أنواع البر، فإذا أتيت برا فلا تحقره، فلعل فيه رضى اللّه
(١) الكلمة مهملة في المخطوط.