وصيته إلى ولده جعفر
  يا بني إذا رضيك قوم لأنفسهم واليا، ورأوك لذلك أهلا، فصدّق ظنهم بك، وألن لهم جانبك، وأحسن إليهم جهدك، وليس ذلك بأنجع لهم من صبرك على مسيئهم، وتجاوزك عند قبيح فعلهم، فاجعل من نفسك ما قد وصّيتك به.
  وأحذرك من الإصغاء لمن يبدي لك النصيحة، ولكن اسمع قوله وأظهر قبوله، ولا تعطله ولا تعمل به حتى يتحقق لك منه ما لم يستبن عند إلقائه، فإن أبانت لك البينة شيئا، فما حمل نفسك بالتجاوز عنه، وإن أبانت لك حسنا، فأنت إذ ذاك المغتبط بأناتك، والسالم من عجلتك.
  ومما أوصيك به كثرة الاحتراس من الناس، فإنهم مبتلون بافتقاد البرية، يحصون على كل إنسان قوله وفعله، فاجعل السّكات شعارك، تسلم من ساع يسعى بعوراء كلامك.
  إذا أردت فعلا فتثبت قبل فعلك، حتى تدري أذلك أوفق أم الترك، وليس كل الرجال يعرف ما يصلح له، وإنما الذي يحيط بالمعرفة من قد جرب الأمور، ودارت عليه دورات الزمان. وأنت يا بني غرير بالدنيا وما فيها، شاور الناصح إذا عرفته، وربما أفن(١) رأي الناصح المحق، ولكنه يتقلد اللائمة في ذلك، ولا تلوم أنت نفسك بعد مشاورتك.
  إياك يا بني أن تعجل بعقوبة من أذنب حتى تعرف ما تفعل، فإن المغتاظ يعزب عنه عقله، ومن قدرت أن تضربه بسوطك فلا تضربه بسيفك، ومن
(١) من الأفن، وهو النقص.