كتاب التنبيه والدلائل
  واعلموا أن مع الاختلاف قلة الإنصاف، ومع قلة الإنصاف الدخول في الإسراف، واللّه لا يحب المسرفين، وقد رأيتكم مختلفين منذ سنين تلقونني فيها في ثلاث مسائل، وما من سنة إلا وأجيبكم فيهن بجواب شاف فيقنع به بعضكم، ويرفضه بعض بعضكم، ثم جرت لكم بمكة مسألة رابعة في الحج بمنازل القمر، فأجبت أيضا في ذلك بجواب شاف، فيه الكفاية لمن اكتفى، فقبل الجواب عليها الأكثر من الإخوان، وشذ منهم رجل في نفر يسير، فاستبد برأيه، وترك القبول ممن أمر بسؤاله، وسأوضح له ما بيّن له عند تحققه خطأ فعلهن، وكذلك في المسائل المقدمة، وفي المسائل المتأخرة، فقد اطلعت منكم على اختلاف كبير، بعد أن أصدرت كتابي هذا، فإن يكن بعد ذلك خلف فقد حال اليأس منكم دون الرجاء، وإن يكن منكم اتفاق فقد أراد اللّه بكم الصلاح، وأراكم النجاح، وليسعدن اللّه بكم المحقين، ويهلكن بكم المبطلين.
  وما أقول: اسمعوا قولي واقبلوه، ولكني أقول: اسمعوا لي، فإن رويت لكم عن غير سلفي، أو احتججت بغير كتاب ربي، فلا تقبلوا مني، وأقول لمن خطر في قلبه شك في شيء مما ألقي إليه، فليسألني الحجة سؤال الشحيح، ولا يستح مني فإن اللّه لا يستحيي من الحق، فإن عليكم سؤالنا وعلينا جوابكم، وبذا أمركم اللّه جل اسمه، فقال عز من قائل: {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ٤٣}[النحل: ٤٣، الأنبياء: ٧]. وقد سمى اللّه رسوله ذكرا، وفي كل عصر من أهل بيته عدول، ينفون عن اللّه الشبهات، ويحكمون بآياته البينات، هم حجج اللّه في كل زمان، والهداة إليه في كل