كتاب التنبيه والدلائل
  أو تقولوا: هي للمفضول دون الفاضل. فهذه ستة وجوه من القول في الإمامة فافهموها وتكلموا بعد إعمال النظر فيها، فإن قلتم هؤلاء أئمة راشدون، القائمون منهم والقاعدون، والفاضلون والمفضولون، ونحن لهم تابعون، ولمن دعانا منهم إلى اللّه مجيبون، كنتم إذا قلتم ذلك واعتقدتموه عند اللّه من الناجين، وبحبله المتين من المتمسكين، وحينئذ يلزمكم الاتفاق، ولا يسعكم الافتراق، وأنا أرجو أن يجمعكم اللّه جل اسمه على هذا القول، ويؤلف بين قلوبكم عليه، فهذا الوجه الأول.
  أو تقولوا: - وعائذا باللّه من ذلك - ليسوا بأئمة يهدون، فإن قلتم ذلك خرجتم من دينكم، وأمكنتم العدو من أنفسكم، واتفقتم على رفض العترة كما فعل غيركم، واللّه يحفظكم من هذا الباب، ولكن ضربته مثلا لمن يخاطر بنفسه، وهذا هو الوجه الثاني.
  أو تقولوا: إن الإمامة لمن قعد دون من قام، فإذا قلتم ذلك فلا بد من النظر في أمر القاعد لم قعد؟ فإن وجدتموه قد قعد بعد الكمال، واستقامة الأحوال، ومساعدة الثقات من الرجال، وتسليم ما للّه من الأموال، فذلك رجل جبان، والجبان لا يكون إماما، فهذا وجه إذا كان يطلب له إمامة القاعد، وإن كان قعوده لقلة أعوانه، ولعجز أهل زمانه، وهو قائم في كل شأنه، فهو الإمام، وولي المقام، «من سمع واعيته فلم يجبه كبه اللّه في النار على منخريه»، كما قال النبي ÷. وإنما مثله عند اللّه جل اسمه، ومثل من قام، مثل رجلين للّه سبحانه مطيعين، وفي عبادته مجتهدين، فهما نهارهما صائمان، وليلهما قائمان، قد اتسيا في كل شأن،