مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم العيانى،

القاسم بن علي العياني (المتوفى: 393 هـ)

وصيته إلى ولده جعفر

صفحة 437 - الجزء 1

وصيته إلى ولده جعفر

  الذي أوصيك به يا بني تقوى اللّه، فإن من اتقى اللّه جعل له من أمره يسرا، ومما يضيق به مخرجا، وقد ساقت الضرورات أباك إلى المدخل مع هذه الأمة التي لا يسع مؤمنا الدخول معها، إلا من بعد جهد وضرورة، ثم إنه ليس أحد أولى منك بموازرتك لأبيك، ومعاونته على ما قد دخل فيه، فكن عند ظنه، واحصر نفسك الصبر على ما يلمّ بك من مغام⁣(⁣١) هذه الدنيا.

  واعلم أن الرجل لا يوصف بالرّجلة حتى يكون حازما، فاحزم في أمورك، واعلم أن الناس مبتلى بعضهم ببعض، ومفتون بعضهم ببعض، فاصبر على أذى من آذاك منهم، ولا تفرحن بقول من حسّن لك القول، فرب قول حسن من تحته سيّئ، ولا تظهرن من نفسك لعدو عرفت عداوته أنك تشناه⁣(⁣٢)، ولا تثقن بصديق رأيت منه ما تهواه، فليكن حذرك من صديقك كحذرك من عدوك، مع إظهار الجميل لهما جميعا، وبسط الوجه لهما معا، واعتبر - ما قد قلت - بنفسك التي هي أقرب إليك منهما، فإنك تجدها تدعوك إلى ما لو أسعفتها فيه لكان بذهاب الدنيا والآخرة منك، وقبح القالة فيك، فإذا كان ما تريد نفسك يؤول إلى هذا، فكيف يكون حال غيرها من وليّ لم يحقق ولايته، أو عدو لا تأمن خيانته.


(١) مغام: جمع غم.

(٢) من الشنآن.