مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

كتاب المسترشد في التوحيد

صفحة 110 - الجزء 1

كتاب المسترشد في التوحيد

  الجزء الأول

  

  الحمد لله الذي علا بطوله، وجل بحوله، الداني في علوه، والنائي في دنوه، رب العالمين، وفاطر السموات والأرضين، الذي بان عن مشابهة المخلوقين، وتقدس عن مناظرة المحدودين، المتجلي لعباده الموقنين، بما أراهم من بدائع فعله في المربوبين، بل بما أراهم في أنفسهم من عظيم تدبيره، وبين لهم فيهم من لطيف صنعه وتقديره، فكلهم يشهد له ضرورة بالربوبية، وينطق له ويقر بالفعل والأزلية، كما قال ذو الجلال والسلطان، فيما نزله على نبيئه من النور والفرقان، حين يقول سبحانه، وتعالى عن كل شأن شأنه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ٦١}⁣[العنكبوت]، وقال سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ٦٣}⁣[العنكبوت]، فسبحان الذي علمه بخفيات ضمائر الصدور كعلمه بما ظهر⁣(⁣١) وأنار من الأمور، الذي لا تخفى عليه الخفيات، ولا تستتر عنه المستورات، ولا تحتجب عنه المحجوبات، ولا تعروه الغفلة والسنات، ولا تنتظمه بتحديد الصفات، ولا تنقصه الأيام والساعات، بادئ خلق الإنسان من طين، والباعث له يوم الدين، والمجازي لعباده على أعمالهم، المحيط بالصغير والكبير من أفعالهم، مقيل العثرات، وغافر السيئات، المعطي على الحسنة الحسنات، قابل التوبة من التائبين، الواحد الفرد الكريم، الرؤوف بعباده الرحمن الرحيم، العدل في أفعاله الجواد، البري من جميع أفعال العباد، المتعالي عن اتخاذ


(١) في (ب): بان.