مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[باب معنى الإرادة من الله]

صفحة 114 - الجزء 1

[باب معنى الإرادة من الله]⁣(⁣١)


(١) اعلم أيها الطالب للحق - وفقنا الله تعالى وإياك - أن أئمتنا الطاهرين $ قد اتفقوا على أن الله تعالى مريد، واتفقوا على أنه ليس له تعالى إرادة حقيقية؛ لأنه يلزم منها توطين النفس، واتفقوا على أن توطين النفس في حق الله تعالى محال، واتفقوا على أن الله تعالى لا يفعل إلا ما فيه حكمة ومصلحة، وعلى أن الله تعالى عالم بالحكمة والمصلحة في الفعل الذي سيفعله؛ فإذا عرفت ذلك عرفت أنهم لم يختلفوا في مسألة عقائدية، وأنه لا يلزم من أي قول لهم توطين النفس الذي يستحيل في حق الله تعالى، وإنما اختلفوا في أمر لغوي، وهو: إطلاق الإرادة هل هي نفس المراد، أم علمه تعالى باشتمال الفعل على الحكمة والمصلحة، مع أن كلا التفسيرين جائزان في اللغة العربية كما يفهم ذلك من يعرف علاقات المجاز والاستعارة. هذا، والإمام الهادي # وغيره يقولون بأن إرادة الله تعالى لفعله هي مراده، ويقولون بأن الله تعالى عالم بالحكمة والمصلحة في الفعل الذي سيفعله من قبل أن يفعله، ولا يلزم من ذلك توطين النفس، ويقولون إنه لا يفعل إلا ما فيه حكمة، فهم يعتقدون معنى الإرادة التي يقول بها الآخرون ما عدا أنهم لا يسمونه إرادة، والذين يقولون إن إرادة الله تعالى لفعله هي علمه باشتمال الفعل على الحكمة والمصلحة هم الإمام المؤيد برب العزة يحي بن حمزة # والإمام المنصور بالله القاسم بن محمد # وغيرهم، وممن قال بهذا القول من المعتزلة ابن الملاحمي وأبو الهذيل والنظام والخوارزمي، حتى قال ابن الملاحمي وهو الذي يذهب إليه سائر الشيوخ غير أبي هاشم ومن قال بقوله وهؤلاء جميعهم متفقون في إرادة الله تعالى، وإنما اختلفوا في إرادة المخلوق كما سيأتي. هذا، وأما من خالفهم من المعتزلة الذين قالوا إن الله تعالى مريد بإرادة حقيقية عرض لا في محل مقارن لخلق المراد غير مراد في نفسه؛ فإنهم قد اتفقوا مع الأولين على أن الله تعالى لا يفعل إلا ما دعا إليه داعي الحكمة وهو في حقه تعالى علمه باشتمال الفعل على الحكمة والمصلحة، ولكن الأولين قالوا أن إرادة الله تعالى لفعله ليست إلا داعي الحكمة أي علمه باشتمال الفعل على الحكمة والمصلحة، والآخرين قالوا بل لا بد من أمر زائد على داعي الحكمة وهو الذي يعنونه بالإرادة. هذا، وقد أجاب عليهم الإمام يحي بن حمزة # كما سيأتي.

فإذا عرفت ذلك عرفت أن أئمتنا الطاهرين $ جميعا، وكذلك طوائف المعتزلة يقولون: إن الله تعالى لا يفعل إلا ما فيه حكمة، وأنه تعالى عالم بالحكمة والمصلحة في كل فعل يفعله، فهم يعتقدون جميعا معنى الإرادة أي علمه تعالى باشتمال الفعل على الحكمة والمصلحة، ولكن البعض يسميه إرادة والآخرين لا يسمونه إرادة. هذا، وسأذكر كلام أئمتنا الطاهرين $ وحكايتهم لمذاهب المعتزلة: ففي كتاب شرح الأساس المسمى عدة الأكياس للسيد العلامة احمد بن محمد الشرفي #: ولفظ الإمام يحيى # في الشامل: والمختار عندنا أن معنى الإرادة في حق الله تعالى: هو علمه باشتمال الفعل على مصلحة، فإرادته لأفعاله تعالى هو علمه باشتمالها على المصالح فيفعلها. ومعنى إرادته تعالى لفعل غيره هو أمره به. وأما كراهته فهي علمه باشتمال الفعل على مفسدة، وكراهته لفعل غيره هو نهيه عنه. قال: ويدل على ما قلناه: هو أنا توافقنا على أنه لابد من الداعي إلى الفعل في حقه تعالى وهو علمه باشتمال الفعل على المصلحة. ولكن زعموا: أنه لابد من أمر زائد على هذا العلم يكون تابعا له وهو الذي يعنونه بالإرادة. فنقول: إن كون الإرادة أمرا زائدا على الداعي ليس يعقل إلا أن يكون ميلا في القلب وتشوقا من جهة النفس وتوقانا من جهتها إلى مرادها وهذا المعنى مستحيل في حقه تعالى. ولهذا قلنا: إن معنى الإرادة في حقه تعالى ليس أمرا زائدا على =