مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[باب معنى الإرادة من الله]

صفحة 115 - الجزء 1

  إن سأل سائل فقال: أخبرونا عن إرادة الله ذي الجلال، أتقولون إنها قديمة أزلية كالعلم والقدرة أولية؟

  قيل له: إن العلم والقدرة خلاف ما سألت عنه من الإرادة؛ لأن العلم والقدرة من صفات الذات، والإرادة حادثة بإحداث المحدثات، والإرادة فمخلوقة محدثة كسائر المحدثين، والعلم والقدرة فأزليان غير مخلوقين.

  والدليل على ما قلنا به وفيه من ذلك والشاهد لنا على أنه في الله سبحانه كذلك: أن العلم والقدرة لو كانا شيئين محدثين لكان يلحق بالله [(⁣١)]


= مجرد الداعي وهو علمه باشتمال الفعل على مصلحة، فإثبات أمر زائد على ما ذكرناه لا يعقل. قال: وهذا الذي اخترناه في إرادة الله تعالى هو مذهب الخوارزمي وأبي الحسين. انتهى كلام الإمام يحيى #. وهو معنى كلام الأئمة المتقدمين وإن اختلف اللفظ لأن مضمونه: أنه لا إرادة لله سبحانه غير علمه باشتمال الفعل على مصلحة. فإطلاق اسم الإرادة على ذلك كإطلاقه على المراد سواء سواء لأن حقيقة الإرادة في حقه تعالى محال .... الخ. انظر كتاب شرح الأساس.

و في كتاب المعراج للإمام الهادي عزالدين بن الحسن # قوله: (وقال الشيخ محمود وغيره) ... إلى آخره. حكى الإمام يحيى # مذهب محمود هذا عن أبي الهذيل والنظام والجاحظ وأبي القاسم البلخي والخوارزمي. قال ابن الملاحمي: وهو الذي يذهب إليه سائر الشيوخ غير أبي هاشم ومن قال بقوله. قال الإمام: فهؤلاء يذهبون إلى أنه لامعنى للإرادة والكراهة شاهدا وغائبا إلا الداعي والصارف ففي حق الله تعالى ليس إلا علمه باشتمال الفعل على مصلحة أو مفسدة وفي حقنا هو العلم أو الظن أو الاعتقاد باشتمال الفعل على مصلحة أو مفسدة أو حصول نفع أو دفع ضرر. انتهى كلام المعراج.

فإن قلت: ألا يلزم من قال: إن إرادة الله تعالى لفعله هي علمه باشتمال الفعل على الحكمة والمصلحة - أن يكون تعالى مريداً في الأزل وغير ذلك من اللوازم؟ فالجواب وبالله تعالى التوفيق: أنهم كما سبق متفقون مع من يقول: إن إرادة الله تعالى لفعله نفس الفعل، ومن يقول بإرادة حقيقية عرض لا في محل، متفقون على أن الله تعالى لا يفعل إلا ما يعلم أن فيه حكمة ومصلحة، وعلى أنه تعالى عالم في الأزل بالحكمة والمصلحة في الفعل الذي سيفعله؛ إذاً هم متفقون جميعا على معنى الإرادة التي قال بها الإمام يحي بن حمزة # وغيره، وإنما اختلفوا في تسميته إرادة؛ هؤلاء سموا علمه تعالى بالحكمة والمصلحة إرادة، والآخرين لم يسموه إرادة؛ فلا يلزم الإمام يحي بن حمزة # ومن قال بهذا القول لازم إلا وهو لازم للباقين؛ لأنهم يعتقدون معناه كما تقدم، ما عدا ما لزم في التسمية فقط وهذا لا ضير فيه. وأيضا قد أجاب على ذلك الإمام الهادي عزالدين بن الحسن # في كتاب المعراج، فقال #: اعلم أنه لا يقطع بامتناع أبي الحسين وابن الملاحمي عن وصفه تعالى بأنه مريد في الأزل؛ إذ قد ذهبا إلى أن المرجع بالإرادة في حقه إلى الداعي، والمرجع بالكراهة إلى الصارف، وهما في حقه تعالى راجعان إلى صفته التي هي العالمية، فأكثر ما في ذلك إثبات داع وصارف للقديم تعالى في الأزل، ولاضير في ذلك؛ فإن الجمهور يثبتون الدواعي والصوارف في الأزل.

(١) في (هـ): ø.