[باب معنى الإرادة من الله]
  العجز والجهل في الحالين؛ لأنه إن جاز أن يكون فينة غير عالم فقد كان بلا شك جاهلاً، وإن جاز أن يكون [كذا كان(١)] فينة من الدهر غير قادر فقد كان بلا مرية في العجز داخلاً، فقد ثبت بحمد الله أنه لم يزل قادراً عالماً ومن الآفات والصفات الزائلات الناقصات سالماً، وإذا(٢) قد صح أنه لم يزل عالماً قادراً في كل الحالات والأوقات، فقد صح أن العلم والقدرة من صفات الذات.
  وأما الإرادة منه ﷻ، وتقدس عن أن يحويه قول أو يناله - فمحدثة مكونة موجودة، وعن صفات ذاته زائغة باينة، تحدث بإحداث فعله؛ إذ ليس هي غير خلقه وصنعه؛ لأن إرادته للشيء خلقه له، وخلقه له فهو إيجاده إياه، وإيجاده إياه فهو إرادته له، فإذا خلق فقد أراد وشاء، وإذا أراد فقد خلق وبرأ، لا فرق بين إرادته في خلق الأجسام ومراده؛ لأن إرادته لإيجاد الأجسام هو خلقه لما فطر من الصور التوام، لا تتقدم له إرادة فعلاً، ولا يتقدم له أبداً فعل إرادة، ولا تفترق إرادته وصنعه، بل صنعه مراده، ومراده إيجاده، وإنما يتقدم الإرادة فعل المفعول إذا كان الفعل مخالفاً للمفعول المجعول، وكان الفعل متوسطاً بين الفاعل ومفعوله، فحينئذ تتقدم إرادة المريد أفاعيله ومعموله، وذلك فلا يكون إلا في المخلوقين، ولن يوجد ذلك أبداً في رب العالمين؛ لأن كل مفعول للمربوبين فإنما قام وتجسم واستوى من بعد العدم، وتم(٣) بالفعل المتقدم له من الحركات، بالرفع والوضع في الحالات، من ذلك ما يعلم ويرى من عمل الصانع البنَّاء وإحكامه لما يحكم من البناء، فالفاعل للبناء(٤) قبل الفعل، والفعل قبل المفعول؛ لأن فعل البناء هو الحركات والتحيل بالرفع والتسوية والتقدير والوضع لحجر فوق حجر، ومدر بعد مدر، حتى يتم له بفعله مفعوله، ويلتئم له ببعض حركاته معموله، ولولا ما كان منه من فعله لما تم له ما تم من مفعوله،
(١) زيادة من (ب). وفي (أ، د): بغير كذا.
(٢) في (أ، ب، هـ): إذ.
(٣) في (هـ): وتمم.
(٤) في (ب، هـ): البنَّاء.