[باب معنى الإرادة من الله]
  فبفعل الفاعل كان المفعول، وبتحيله قام وتم له المجعول.
  فالفاعل من الآدميين جسم وأدوات، وفعله فعرض بُيِّنَ بالحركات، ومفعوله فبعد عرض الفعل يوجد في الحالات، فكل جدار وجد أو دار أو عقدة(١) معقودة، أو ثوب مخيط بخيوط، أو رَسْم بكتاب مكتوب، أو غير ذلك من الأمور والأسباب، التي هي من أفعال العباد - فلم تكن إلا من بعد الحركات، اللواتي هن أعراض غير متلاحقات، ولذلك جاز فيها تقدم الإرادات والنيات.
  وكل ما أوجده الرحمن فهو فعل لذي الجلال والسلطان، ولا يقال إنه له مفعول إلا على مجاز الكلام(٢) المعقول؛ لما بينا وشرحنا في أول الكلام وقلنا من أن المفعول لا يكون إلا وقد تقدم قبله الفعل من الفاعل، فلا يكون فعل بين فاعل ومفعول إلا وهو حركات بأدوات وتحيل وتفكر وآلات، فتعالى عن ذلك ذو المن والجلال والسلطان، وتقدس عن التحيل والحركات الواحد الرحمن، الذي كل خلقه له فعل، الذي إذا أراد أن يكون شيئاً كان بلا كلفة ولا عون أعوان، أمره نافذ كائن، ومراده لمراد غيره فمفارق مباين.
  ومن الحجة على من زعم أن إرادة الله متقدمة لفعله أن يقال له: ألست تزعم أن إرادته متقدمة لأفعاله؟ فإذا قال: كذلك أقول، قيل له: ألست تعلم في صحيح العقول أن ذلك إن كان كذلك أنهما(٣) شيئان اثنان؛ الإرادة شيء، والفعل شيء؟
(١) في (هـ): أو عقد معقود عقد.
(٢) اعلم أن مراد الإمام ~ بيان التأثير من الله سبحانه في المصنوعات وأنها مفعولاته ø على الإطلاق، أي: لم يقع عليها فعل الفاعل بعد وجودها؛ إذ هذه يقال لها مفعولات بها كما هو حدها عند أهل العربية ولذا قال بعضهم: إن السموات في {خلق الله السموات} مفعول مطلق؛ فإذاً لا يقال لما خلقه الله واخترعه سبحانه مفعول إلا على سبيل المجاز؛ لأنه يتبادر منه المفعول به؛ إذ هو حقيقة فيه، وهذا المجاز الذي أفاده الإمام ~ من باب الاستعارة المصرحة، والعلاقة ما بينهما من المشابهة، فليتدبر مدارك هذه العبارات الشريفة، وموارد هذه الكلمات الهاديات المنيفة، المزيدة بالتنوير الإلهي والتوفيق الرباني. اهـ قال في هامش (د): تمت إملاء سيدي العلامة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي جزاه الله خيراً، عام ١٣٥٩ هـ.
(٣) في (هـ): فهما.