مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[باب معنى الإرادة من الله]

صفحة 118 - الجزء 1

  فلا يجد بداً من أن يقول: أجل، فيقال له: فأي الاثنين تقدم صاحبه، فكان وحدث قبله⁣(⁣١)؟ فإن قال: الإرادة حدثت قبل الفعل، فسواء كان بينهما قليل أم كثير فقد أوجب وأدخل بذلك على ربه النية والضمير، والانطواء على ما لا يجوز في اللطيف الخبير، ومتى قال بذلك قايل فقد شبه ربه بالمخلوق الزائل، ذي الجوانح المضمرات، والأدوات المتصرفات، والآراء المتناقلات، وهذا فإبطال التوحيد، ونفس الكذب على الواحد الحميد، ونقض ما نزل في الكتاب المجيد⁣(⁣٢).

  فإن هو⁣(⁣٣) قال: بل الفعل سبق الإرادة - وقد علمنا أن الفعل هو المخلوق - فقد قال: إن الخالق للمخلوقين غير الله رب العالمين؛ لأن الله سبحانه وجل عن كل شأن شأنه لا يخلق إلا ما يشاء، ولا يشاء إلا ما يريد من الأشياء، وكذلك قال الرحمن فيما نزل من الفرقان: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}⁣[القصص: ٦٨]، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ١٤}⁣[الحج]، وقال سبحانه: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ١٨}⁣[الحج]، ففي كل ذلك يخبر أنه لن يفعل إلا ما يشاء ولن يشاء إلا ما يريد من الأشياء، وكذلك⁣(⁣٤) الله تبارك وتعالى، أولا ترى أن الفاعل لما لا يريد فجاهل مذموم من العبيد، فكيف يقال بذلك في [الله⁣(⁣٥)] الواحد الحميد؟!

  ومن الحجة على من قال: إن الإرادة من الله سابقة للمراد، وإنها في الله ذي العزة والإياد كالعلم والقدرة، وإنه لم يزل مريداً كما لم يزل قادراً عالماً - أن يقال له⁣(⁣٦): هل كان الله في الأبد والقدم خالقاً لما أراد أن يخلق؛ إذ لم يزل في قولك مريداً للخلق كما أنه لم يزل عالماً بما يكون، قادراً على فعل ما يشاء إذا أراد فعله وشاءه؟


(١) في (ب، هـ): قبل صاحبه.

(٢) في (هـ): ونقض ما في القرآن المجيد.

(٣) في (أ، هـ): وإن هو.

(٤) في (ب، هـ): فكذلك.

(٥) غير موجود في (ب، هـ).

(٦) في (ب، هـ): لهم.