مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[باب معنى الإرادة من الله]

صفحة 119 - الجزء 1

  فإن قال: نعم، فقد أثبت الخلق مع الخالق في القدم، فتعالى عن ذلك ذو الجلال والكرم؛ إذ قد جعل معناه ومعنى غيره من العلم والقدرة سواء، [ومتى كانا سواء⁣(⁣١)] فلم يفترقا في سبب ولا معنى، فكل ما نزل بأحد هذه الثلاثة الأشياء من العلم والقدرة والإرادة فهو نازل بصاحبيه، وحال بمشاكليه، ومحيط بمناظريه، ولا يخلو مَن جعل المشيئة والإرادة كالعلم والقدرة من أن يحمل العلم والقدرة على معنى المشيئة والإرادة، أو أن يحمل معنى المشيئة والإرادة على معنى العلم والقدرة.

  فإن حمل العلم والقدرة على معنى الإرادة والمشيئة والخلق جعلهما مخلوقين محدثين بأحق الحق، وإن حمل معنى الإرادة [والمشيئة⁣(⁣٢)] والخلق على معنى العلم والقدرة جعل الإرادة [والمشيئة⁣(⁣٣)] والخلق شيئاً قديماً أزلياً، وفي أزلية الإرادة أزلية الخلق، وفي ذلك إبطال التوحيد والشرك بالله الواحد الحميد.

  فقد بطل قول من قال بأحد هذين المعنيين؛ لما بان لأهلهما فيهما من الفساد في كلتا الحالتين، وثبت ما قلنا به من أنه لا فرق بين إرادة الله ومراده، وأن الإرادة منه هي المراد، وأن مراده هو الموجود المدبَّر الكائن المخلوق المجعول، إذا أراده فقد كونه، وإذا كونه فقد أراده، لا تسبق له حالة حالة في الفعل منه سبحانه والإرادة، فسبحان علام الغيوب، ومقلب القلوب، ونسأل الله الواحد الحميد أن ينفعنا بما علمنا، وأن يمن علينا بإيزاع الشكر فيما امتن به علينا.

  ومما يحتج به على أهل هذا المقال، المتحيرين في الله الضلال، أن يقال لهم: خبرونا عن إرادة الله سبحانه لخلق السموات والأرض، هل هي إرادته لإبادتهما وتبديلهما في يوم الدين؟

  فإن قالوا: نعم، قيل لهم: فهلا وقعت بهما الإبادة والتبديل مع وجود خلقهما سواء


(١) ما بين المعقوفين غير موجود في (أ).

(٢) ساقط من (هـ).

(٣) غير موجود في (أ، ب، هـ).