[باب معنى الإرادة من الله]
  سواء؟! فقد يلزمكم في أصل قولكم وقياسكم أن تقولوا: إن الأرض والسماء قد بادتا وبدلتا ساعة ما خلقتا وأوجدتا؛ إذ الله سبحانه قادر على ما يشاء، وإذ مراده نافذ ماض أبداً؛ لأنكم تزعمون أن إرادة الله سبحانه لخلقهما وإيجادهما هي إرادته لإبادتهما وتبديلهما، ومتى كانت الإرادة في ذلك واحدة سواء فلا شك أن المراد يقع مجتمعاً معاً، لا يسبق بعضه بعضاً؛ إذ لم يتقدم من الإرادة شيء شيئاً.
  وإن(١) قالوا: ليست الإرادة من الله لخلقهما بإرادته لتبديلهما وإبادتهما؛ لأن إرادته نافذة، وقدرته ماضية، وقد أراد أن يخلقهما فخلقهما، وإذا أراد أن يبدلهما بدلهما - فقد أقروا أن لله إرادة تحدث في كل الحالات، ومتى كانت كذلك لم تكن أبداً أزلية، وزال عنها اسم القدم والأولية(٢)، وإذا ثبت أنها حادثة ثبت أنها محدثة، وإذا ثبت أنها محدثة ثبت أنها مجعولة مقدرة، وإذا ثبت أنها مجعولة مقدرة ثبت أن المجعول المقدر هو المخلوق المدبر، وأن الإرادة ليست [هي(٣)] غير الموجود المفطور المصور، وإذا قد ثبت ذلك فقد ذهب ما يقولون به من الفرق بين إرادة الله وفعله، وثبت أن فعله إرادته، وأن إرادته سبحانه فعله، إذا أوجد شيئاً فقد أراده، وإذا أراده فقد أوجده، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى أهل بيته الطاهرين.
  ومن الحجة على من فرق بين إرادة الله وفعله، فزعم أن إرادة الله سبحانه متقدمة لإيجاده وصنعه - قول الله سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٨٢}[يس]، فمعنى قوله سبحانه لمراده: «كن» فهو إيجاده له وخلقه إياه، لا أنه يكون منه إليه قول ولا له؛ لأنه لو كان كما يظن الجاهلون أنه يأمره بالكون فيكون؛ لكان القول من القائل متوسطاً بين المفعول والفاعل، والقول فهو فعل، ولو توسط الفعل من الرحمن لكان مشابهاً لفعل الإنسان، بأبين ما يكون من
(١) في (أ، ب، هـ): فإن.
(٢) في (ب): الأزلية.
(٣) زيادة من (ب، هـ).