مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[باب معنى الإرادة من الله]

صفحة 121 - الجزء 1

  البيان، فقد بطل بحمد الله أن يكون كذلك؛ لما ذكرنا واحتججنا به أولاً في ذلك.

  ومن الحجة عليهم ومما يبطل ما هو في أيديهم: أنه لو كان منه أمر له كما يقولون - لم يخل من أن يكون يأمره⁣(⁣١) وهو عدم غير موجود، ومخاطبة العدم الزائل المفقود فأحول المحال، ومخاطبة العدم من الآدميين فأضل الضلال، فكيف يجوز أن ينسب ذلك إلى الواحد ذي الجلال؟ أو يكون أَمَرَه وهو موجود كائن قائم غير مفقود فأَمْر الكائن القائم الموجود بأن يكون مُحال⁣(⁣٢)؛ لأنه قد استغنى بتجسمه وكينونته، عن التكوين في حال من الحال، كما لا يجوز أن يؤمر القائم بالقيام، ولا النائم بالمنام، ولا الراكب في حال ركوبه بالركوب، ولا المهرول المدبر بالخبوب⁣(⁣٣)؛ لأنه إذا كان في حال⁣(⁣٤) كذلك مستغن عن أن يؤمر بشيء من ذلك، فقد سقط أن يكون أمر من الله للشيء في حال من الحال، فإذا سقط سقط ما يتعلقون به وفيه من زور المقال، وثبت ما قلنا به من إيجاد الله له ذي الجلال.

  فإن قال قائل: إن معنى قول الله سبحانه للشيء «كن فيكون» هو أن يقول للشيء: كن شيئاً آخر مثل الصلصال الحمأ قال له: كن صورة وبشراً، فكان كما أمره ربه حقاً، ومثل النطفة قال لها: كوني علقة فكانت علقة، ثم أمر العلقة فكانت مضغة، ثم قال للمضغة: كوني عظاماً فكانت عظاماً، ثم كساها⁣(⁣٥) لحماً، وجسمها بقدرته جسماً فهذه أشياء غير مفقودة، تؤمر فتنتقل أجساماً موجودة.

  قيل له: إن الفروع لا يقاس عليها الأصول، وإنما ترد الفروع إلى ما هي منه من الأصول، وهذه الأشياء التي ذكرت فإنما هي مخلوقات تنتقل من خلق إلى خلق في الحالات، وكذلك قال فيها وسماها بالخلق ودعاها رب الأرباب فيما


(١) في (ب، هـ): أمره.

(٢) خبر (فأمر).

(٣) أي: بالسرعة. قال في لسان العرب: الخبب: ضرب من العدْوِ ... وقيل: السرعة. (بتصرف).

(٤) في (ب، هـ): الحال.

(٥) في (ب، هـ): فكساها.