مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[تفسير إرادة الله لأفعال العباد]

صفحة 124 - الجزء 1

  منهم؛ إذ له⁣(⁣١) أوجدهم.

  فإن قال: فهل كان ما أراد ذو الجلال والسلطان؟ فإنكم إن قلتم إنه قد كان ما أراد الرحمن، أوجبتم أن يكون الخلق كلهم مطيعين، ونفيتم أن يكون فيهم أحد من العاصين، وإن قلتم: إنه لم يكن ما أراد الواحد ذو الجلال؛ فقد أقررتم بتقديم إرادة الله على كل حال.

  قلنا له: إن إرادة الله في فعله هي خلاف إرادته في فعل غيره، وكلامنا فإنما هو في فعل الرحمن، لا فيمن خلق وذرأ من الإنسان؛ فإرادته فيما خلق هو إيجاده له على ما تقدم في أول كلامنا من القول فيه، وإرادته في أفعال عباده فإنما هي إرادة نهي وأمر، لا إرادة حتم وجبر، أراد منهم الطاعة غير مكره لهم عليها، كما أراد أن لا يكون منهم المعصية غير حائل بينهم وبينها، بل بالطوع منهم أراد كونها، لا بالإكراه لهم والقسر عليها والإجبار، فأمرهم ونهاهم، وبصرهم وهداهم، ومكنهم من العملين، وهداهم في ذلك النجدين⁣(⁣٢)، ثم قال سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ٨٤}⁣[القصص]، ثم قال عن أن يحويه قول أو يناله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}⁣[الكهف: ٢٩]، فكانت إرادته في أفعالهم الأمر لهم بالمرضي من أعمالهم، فنفذت إرادته في الأمر لهم كما أراد، ولو أراد أن يجبرهم [على طاعته⁣(⁣٣)] لجبرهم، ولو جبرهم على صنعهم وفعالهم⁣(⁣٤) لكان العامل لما يعملونه دونهم من أعمالهم، ولو كان العامل لما يعملونه دونهم لكان الآمر لنفسه دونهم بما فعلوه،


(١) (لها): في (أ) مظنن، و (د) مصلح.

(٢) في (ب، هـ): للنجدين.

(٣) زيادة من (أ، ب، هـ).

(٤) في (ب، هـ): وأفعالهم.