مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

باب تفسير معنى القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر

صفحة 130 - الجزء 1

  من الأمور، فكانوا كما شاء أن يجعلهم، وجعل فعله فيهم وفي غيرهم آية لهم كما قال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ٢٢}⁣[الروم]، فكان تركيب خلقهم كما أراد من تصويرهم، لا اختلاف في ذلك ولا تفاوت، كما قال سبحانه: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ٣ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ٤}⁣[الملك].

  فالحمد لله الذي جبل العباد وجبرهم على ما يشاء من تركيب خلقهم، محبوبهم من ذلك وغير محبوبهم، ولم يجبرهم على شيء من أفعالهم صغيرها ولا كبيرها، دقيقها ولا جليلها، بل أمرهم ونهاهم، وبصرهم غيهم وهداهم، ثم بعث إليهم النبيين فأمروهم بطاعة رب العالمين، وحذروهم أن يكونوا له من العاصين، وخلق للمطيعين ثواباً وللعاصين نكالاً وعقاباً، ثم لم يحل بين أحد وبين طاعته، ولم يجبر أحداً على معصيته، بل أمر عباده تخييراً، ونهاهم سبحانه تحذيراً، ثم قال ذو المن والعزة والجلال، من بعد إكمال الحجة عليهم في كل حال: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ٢٩}⁣[الكهف]، وقال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٧ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ٨}⁣[الزلزلة]، فتبارك المتقدس عن خلق أفعالهم، المتعالي عن جبرهم على شيء من أعمالهم، العدل في كل أفعاله، الصادق في كل مقاله، البري من شبه المجعولات، المتعالي عن درك الغفلة والسنات.

  والمتكبر: فهو العظيم الخبير، الذي لا يشبهه في القدرة والعظمة كبير.

  تم الجزء الأول من جزأين من كتاب المسترشد، بمن الله وعونه، يتلوه الكلام في الجزء الثاني