باب تفسير قوله الله سبحانه: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} والرد على من قال إن لله وجها وإنه صورة
  أبعاض ولا أجزاء، وذلك فمعروف في العربية، يعرفه كل من فارق لسان الأعجمية، من ذلك ما تقول العرب: «هذا وجه بني فلان» تريد: أنه المنظور إليه منهم في كل شأن، وأنه رجلهم وسيدهم، والقائم في كل أمر دونهم، وتقول العرب: «هذا وجه المتاع» تريد بذلك أنه أفضل ما يبتاع، وتقول: «هذا وجه الرأي» أي: محضه وصدقه وصوابه في كل أمر وحقه، لا أن له وجهاً كما يعرف من الوجوه المخلوقة في البشر، المجعولة المقدرة المركبة المصورة، وفي ذلك وما كان كذلك ما يقول الشاعر:
  وقد يهلك الإنسان من وجه أمنه ... وينجو بإذن الله من حيث يحذر(١)
  فقال: «من وجه أمنه» وليس للأمن وجه ولا صورة، وإنما أراد أنه يعطب من الوجوه المامونة عنده المحمودة.
  وقال آخر(٢):
  فأسلمت وجهي لمن اسلمت ... له الأرض تحمل صخراً ثقالا
  وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له المزن تحمل عذباً زلالا
  وقال آخر:
  أضحت وجوههم شتى وكلهم ... يرى لوجهته فضلاً على الملل
  فقال: أسلمت وجهي، وإنما أراد: أسلمت ديني، فاستسلمت وقصدت خالقي بكل عملي، لا أنه أسلم وجهه دون قلبه، ولا قلبه دون عمله، ولا عمله دون نفسه وقوله.
  ومن الحجة فيما قلنا به من البيان من أن وجهه هو لا بعضه في قيم اللغة واللسان ما يقول الشاعر:
(١) ينسب لمحمود بن الحسن الوراق، وقيل لأبي العتاهية، وقيل لغيرهما.
(٢) هو زيد بن عمرو بن نفيل. (من تفسير ابن كثير).