مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

باب تفسير قوله الله سبحانه: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} والرد على من قال إن لله وجها وإنه صورة

صفحة 138 - الجزء 1

  إني بوجه الله من شر البشر ... أعوذ من لم يعذ الله دمر

  وقال آخر:

  أعوذ بوجه الله من شر معقل ... إذا معقل راح البقيع وهجرا

  ومما يحتج به أهل اللغة، وبما قالت [الشعراء⁣(⁣١)] في ذلك ما يقول العلي الأعلى مما بين فيه أن وجهه هو لا بعضه ما يقول: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ٣٩}⁣[الروم]، فقال: تريدون وجه الله، وإنما أراد سبحانه: تريدون الله.

  ومن ذلك ما حكى رب العالمين عن خير خلقه أجمعين محمد وأهل بيته الطيبين فيما كان من إطعامهم لمن ذكر الله من الأسير واليتيم والمسكين، حين يقول: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ٩}⁣[الإنسان]، فقال سبحانه: نطعمكم لوجه الله ذي العزة والسلطان، وإنما أرادوا بذلك الله الواحد العزيز الرحمن.

  وقال سبحانه فيما نزل من الفرقان: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ١٤٨}⁣[البقرة]، فقال سبحانه: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ} أي: لكل مؤتم قبلة، ولم يرد بذلك من القول والخبر أنه وجه مصور في صورة من الصور.

  وقال: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ...} الآية [البقرة: ١١٢]، فقال: «من أسلم وجهه» أراد بذلك سبحانه من سلم⁣(⁣٢) نفسه لربه واستسلم له في جميع أموره، وأخلص له سبحانه دينه.

  وقال عن أن يحويه قول أو يناله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ}⁣[الروم: ٤٣]،


(١) ساقط من (أ، د).

(٢) في (أ، ب، هـ): أسلم.