مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

باب تفسير قوله الله سبحانه: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} والرد على من قال إن لله وجها وإنه صورة

صفحة 139 - الجزء 1

  فأمره بإقامة وجهه للدين، والإخلاص في ذلك لرب العالمين، ولم يرد الوجه دون القلب وسائر الأبعاض والأعضاء، وإنما اراد بذلك العلي الأعلى - أقم نفسك لخالقك وربك، وتأويل «أقم وجهك» فهو: قم بالدين بكليتك لمصورك وجاعلك.

  وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ٧٢}⁣[آل عمران]، فلم يرد سبحانه فيما ذكر عنهم أن للنهار وجهاً كما يعقل من الوجوه ذوات التصاوير، التي أمر بغسلها عند الوضوء، فتقدس عن ذلك العلي الكبير.

  وقال ø: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا}⁣[المائدة: ١٠٨]، يريد: على حقيقتها وصدقها لا أن لها وجهاً عند جميع الخلق، غير ما قلنا به من الحقيقة والصدق.

  ومن الحجة في ذلك والبيان: ما يقول الله ذو الجلال والسلطان: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}⁣[البقرة: ١١٥]، ولو كان كما يصف المشبهون ويقول به في الله الجاهلون: إنه وجه كما يعرف من وجوه المخلوقين، تعالى وتقدس عن ذلك رب العالمين؛ إذاً لما كان في كل النواحي والأقطار، فتعالى عن ذلك العلي الواحد الجبار؛ إذ المتوجه يتوجه شرقاً وغرباً ويمناً وشاماً، فلا⁣(⁣١) يكون أبداً وجه واحد وجوهاً، كما لا تكون الوجوه الكثيرة وجهاً، وإنما أراد بقوله: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أي: الموجود بكل جهة الله الذي هو سبحانه بالمرصاد لا يغيب عنه شيء من ضمائر أسرار العباد، وهو المحيط بالغيوب، ذو المن والأياد.


(١) في (أ، ب، هـ): ولن.