مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

باب تفسير [معنى] قول القائل: (واحد) ومخارجه في اللسان وما ينفى من ذلك عن الرحمن ø

صفحة 142 - الجزء 1

  منه سبحانه والإحسان، والعائدة بالفضل على الإنسان، ليلتئم⁣(⁣١) عند الهجوع مطابقهما، وتطمئن لذلك علايقهما، وتريح من الحركة مدامعهما ليقوى نظرهما، ويثقب بصرهما، ولو كان مكان سواد إطباقهما ناصعاً ببياض نطاقهما، لقصرتا عن بلوغ مناظرهما، ولعجزتا عن تحديد أبصارهما، ولكثر إغماضهما، ولقل إيماضهما.

  ثم حجب عنهما سبحانه بأجفانهما الأذى، وأماط عنهما بأشعارهما القذى، فلما أحكمهما بالتقدير، وأتقنهما بالتدبير، غشاهما بالحاجبين، وأظل بالحاجبين ما استجن من العينين؛ لعلمه سبحانه بضرورة الناظرين إلى ما ركب من الحاجبين.

  ثم جعل فيهما من بعد إتقان تدبيرهما شعراً مسوداً ظاهراً عليهما، ليزيد سواده في قوة نظرهما عند استقبالهما لبعد اعتمادهما، ولو لم يكونا بزينة الشعر مخصوصتين، وكانتا مما زينتا به محظوظتين لنقص من العينين نظرهما، ولتضوع⁣(⁣٢) في أرجائهما نورهما، ولغشي⁣(⁣٣) عن مقر التحقيق بصرهما.

  ثم مثل بينهما خالقهما أنفاً مستروحاً لأنفاسه، موقوفاً لرجعه واحتباسه، فأقام رسم خده⁣(⁣٤)، وأحسن التصوير في قده، وجعله هواء معتدلاً سواء، ولولا ما دبر فيه وركبه من الإحكام عليه لم يؤد بلطيف اعتباره ودقيق اختياره⁣(⁣٥) المحسوس إلى قراره، ولعجز عن بلوغ مدى الاسترواح، ومستقر غاية الأرواح، فجعل سبحانه من أصليته ناشراً⁣(⁣٦)، وجعل في سوائه حاجزاً، لتوقيف رجع الأنفاس،


(١) في (أ، ب): لتلتئم.

(٢) ضاع الماء في الأرض: رسب، والرسوب الذهاب، كأنه ~ قال: يذهب في أرجائهما نوراً فلم ينفذ إلى المبصر بهما. (هامش أ).

(٣) في (أ، ب، د): ولعشى.

(٤) في (أ، ب): حَدِّه.

(٥) في (أ، ب): اختبار.

(٦) في (ب): ناشزاً. وكأنه الصواب.