[ذكر الأعراض]
  قلنا له: ليس الصواب كالمحال، وهذا في الله فأحول المقال؛ لأنه وإن اشتبه عندك فيما ترى، مخالف لما تقدم من (الشيء) في كل معنى؛ لأنا نرى الجسم أبداً متجسماً، ولسنا نرى كل الأشياء كائناً جسماً، فالشيء يعم الأشياء كلها، والجسم فإنما يقع على بعضها، فلما اختلف معناه في الخاص والعام، اختلف جميع قياسه في الكلام، وكذلك كل ما قيس أو ضرب له مثل(١)، فإنما يقاس ويشبه بما كان مثله في كل ما سبب وحال، كما يحذا المثال على المثال، فأما الضد فلا يقاس بضده؛ إذ حده على خلاف حده.
  وفيما قلنا به في الشيء الذي لا كالأشياء ما يقول الله الواحد الأعلى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ١٩}[الأنعام]، فذكر سبحانه وتعالى عما يصف المبطلون ويقول به عليه الملحدون أنه شيء موجود، لا يذكر ولا يوصف بحد من الحدود، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١١}[الشورى]. ألا ترى أن جميع أهل الإسلام، الذين هم على دين محمد # يقولون لمن اتهموه بسخافة دين أو قلة خشية أو يقين: ما تعبد من شيء، ولا توقن بشيء، يريدون: ما تعبد الذي يعلم أمرك، ويوفيك أجرك.
[ذكر الأعراض]
  فإن قال قائل: فما دليلكم على أن من الأشياء المشاهدة المعلومة بدلائلها المفهومة - ما ليس هو بجسم معروف، أوجدونا ذلك في أي صنف شئتم من الصنوف؟
  قلنا له: من ذلك أفعال العباد، وما يكون منهم من سوء ورشاد(٢)، من
(١) في (أ، ب، د، هـ): مثله.
(٢) في (ب، د): أو رشاد.