مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ذكر الأعراض]

صفحة 149 - الجزء 1

  الصدقة والقيام، والصلاة والصيام، وغير ذلك من حركات السحاب في السير، وما يسمع من خفقان أجنحة الطير، وما يكثر لو شرحناه به الأقاويل، ويطول به الكلام والتأويل، وكل ذلك من أفعال الخلق فقد سماه الله بأحق الحق شيئاً وأشياء في قوله تبارك وتعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ٥٢ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ٥٣}⁣[القمر]، فسمى أفعالهم شيئاً وأشياء، وبين ذلك فيما نزل من النور والضياء، وهي أعراض ليست بأجسام؛ إذ لا تقوم إلا بالأجسام، وإنما هي صفات ودلالات، وحركات وعلامات، تتفرع من الأجسام غير متلاحقات، فهي أشياء وليست بأجسام، والأجسام أبداً فليست غير الأجسام.

  فإن قال: فما دليلكم على أن ما يكون من حركاتكم التي هي متفرعة من أجسامكم هي غير أجسامكم، وأن أجسامكم هي غير حركاتكم؟

  قلنا له: علمنا ذلك وفهمناه، ووقفنا عليه وعرفناه؛ لأنا نجد الأجسام تكون منها الحركات بالقعود والقيام، وهي مجتمعة متلاحقة، وتسكن وتهدأ، وهي قائمة بأعيانها غير مفترقة، والأفعال والحركات غير متلاحقة ولا مؤتلفة، بل هي متصرفة متباينة مختلفة، بعضها لا يلحق بعضاً، ولا يعلم لها بعد خروجها طولاً ولا عرضاً، فاستدللنا بذلك على الفرق بين الأجسام والأفعال، في كل ما حال من الحال، فلذلك قلنا: إن كل جسم شيء، وأن ليس بجسم كل شيء، فلما أن خرج بعض الأشياء من أن ينتظمه اسم الجسم، ولم يخرج الجسم من أن ينتظمه اسم الشيء في الحكم قلنا: إن الله سبحانه وتعالى ليس كسائر الأشياء. ولو كان كما يقول المبطلون إنه صورة أو جسم من الأجسام؛ لكان ذو الجلال والإكرام مشابهاً لما خلق من الصور والأجسام، وللحقت به الفكر والأوهام، ولجرت عليه حوادث الليالي والأيام، ولكان مضطراً محتاجاً إلى المكان، ولو احتاج إلى المكان لخلت منه مواضع كثيرة عظيمة الشأن، ولو كان كذلك، تعالى الله سبحانه عن ذلك؛ لما كان كما قال، وذكر عن نفسه ذو الجلال والجبروت والمحال، حين يقول: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ