[الإرادة]
  نقول: لم يزل المحمود المشكور ذو الطول؛ لأن الحمد لا يكون إلا من حامدٍ بالحمد ناطق، والشكر لا يكون إلا من شاكر راتق فاتق، فمتى أطلق القول في الله ذي الجلال والحول بأنه لم يزل محموداً مشكوراً فقد أثبت معه أزلية الحامد الشكور، وفي هذا إبطال التوحيد، الذي لا يكون إلا لله [الواحد(١)] الحميد، الذي لم يزل من قبل أن يوجد كل حامد شاكر أو ضال مخالف على الله كافر.
[الإرادة]
  إن سأل مسترشد أو أو ضال أو متعنت في المقال عن إرادة الله تبارك وتعالى فقال: ما هي وعلى أي الوجوه هي؟
  قيل له: إن الإرادة تخرج على ثلاثة معان، وكلهن معروف في اللغة جار:
  فأولهن: إرادة الله لإيجاد المخلوقين، وفتق رتق السموات والأرضين، فلما أراد ذلك كان بلا كلفة ولا عون أعوان، إذا أراد شيئاً أوجده، وإذا أوجده فقد أراده، فمشيئته إرادته، وإرادته مشيئته، ليس له مثل ولا نظير، وهو الواحد اللطيف الخبير.
  والثاني: فهو إرادة الأمر وهو قوله سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٨٢ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٨٣}[يس]، ومن ذلك قوله: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥]، يقول سبحانه: يأمركم بما فيه التسهيل لكم، والتيسير عليكم، وكذلك كل ما أراد ذو الجلال، وذو القدرة والمحال من عباده من جميع الأفعال، فإنما هو أمر ونهي من رب العالمين، يأمر به وينهى عنه جميع المخلوقين.
  فأما قوله سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٨٢}[يس]،
(١) زيادة من (ب، هـ).