مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[الإرادة]

صفحة 153 - الجزء 1

  فليس يتوهم أن ثمة مخاطبة من الله للعدم، وإنما ذلك منه سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه إخبار عن نفاذ قدرته، وإمضاء⁣(⁣١) ما أراد من مشيئته، فتعالى من ليس له شبيه ولا عديل، ولا ضد ولا مثيل، وهو الله الواحد الجليل، ذو القدرة والسلطان كما قال سبحانه في وحيه وذكر تعالى عن نفسه، فقال فيما نزل من الفرقان، وبين لعباده من التبيان: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١١}⁣[الشورى]، الذي خلق السموات والأرض، وأنزل من السماء ماء، وجعل الأرض قراراً، وجعل خلالها أنهاراً، مجيب المضطرين، وكاشف السوء عن المكروبين، والمهلك لمن شاء من العالمين، والهادي في الظلمات، والرازق في كل الحالات، والباري⁣(⁣٢) لخلق المخلوقين، والمعيد لهم يوم الدين، والرازق لجميع عباده المرزوقين، وفيما ذكرنا من منته على خلقه ما يقول سبحانه في محكم تنزيله ووحيه، ويحتج به على عباده: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ٦٠ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ٦١ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ٦٢ أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ٦٣ أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٦٤}⁣[النمل].

  والوجه الثالث: فهو إرادة المخلوقين، وهي بالنية والضمير تعالى عن ذلك رب العالمين، وتقدس عن مشابهة المربوبين، وإنما يحتاج إلى النية والضمير من لم


(١) في (أ، ب، هـ): ومضي.

(٢) في (أ، ب، هـ): والبادي. وكأنه الصواب.