باب تفسير القدرة والرد على من زعم أن لله قدرة سواه بها قدر على الأشياء
  كذلك تعالى الله عن ذلك، لم تخل من أن تكون قديمة أولية، فتكون ثانية(١) مع الله أزلية، وهذا فإبطال التوحيد، وعين المضادة لله الواحد الحميد، وإبطال القرآن، وتكذيب الرحمن؛ لأنه سبحانه يقول: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ٣}[الحديد]، ويقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ١٦}[غافر]، فقال سبحانه: هو الأول، فذكر أنه الأول قبل كل شيء، ولا يكون الأول إلا فرداً لا ثاني معه، كما لا يكون الآخر إلا الذي لا شيء بعده، وكذلك الواحد فهو الذي لا ثاني معه، وذلك الله الجليل الرحمن، المتعالي عما يقول حزب الشيطان، فهذا من قولهم فمعنى فاسد باطل، وعن الحق والحمد لله حائل.
  أو أن تكون محدثة مكونة تعلم، ويكون الله أوجدها من بعد العدم، فيدخل بذلك العجز على الله والتضعيف، فتعالى عن ذلك القوي اللطيف؛ لأن ضد القدرة العجز، فمتى عدمت القدرة ثبت العجز، فيلزم من قال بإحداث قدرة المهيمن القادر أن يقول: إن الله كان عاجزاً غير قادر، فإن كان كما يقول الجاهلون، وينسب إليه الضالون إنه كان ولا يقدر حتى أوجد وخلق ما به قدر - فبماذا ويلهم خلق القدرة التي يذكرون أنه خلقها من بعد العدم ويقولون؟! فإن كان الله أحدثها وهو غير قادر، وأوجدها وصورها وفطرها وهي التي لا شيء يعدلها ولا شيء من المجعولات إلا وهو دونها؛ إذ لا يُوجِد شيئاً ولا يخلق إلا بها بغير ما قدرة منه عليها، فلقد كان فعله في غيرها أنفذ، ومراده في سواها أوكد، فبم ويلهم خلقها وأوجدها وهو يوجد مثلها بغيرها؟ فلقد كان عنها مستغنياً، [وبما خلقها به مكتفياً مستعلياً(٢)]، فتبارك عن ذلك ذو الجلال وذو الجبروت، الواحد الحي الصمد الذي لا يموت، القادر العالم بنفسه، البري من
(١) في (د): ثابتة.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب، هـ).