باب تفسير قوله: (السميع) والرد على من قال إنه سبحانه يسمع بجارحة
  مستجنّ لم يَبِنْ فيشرح ويسمع، وإنما يسمع ما ترجمه اللسان، وباح به ضمير الإنسان، وإنما أراد ذو الجلال بما قال في ذلك من المقال التوبيخ لهم والإخزاء، والتوقيف على ما يأتون به من الخطأ؛ إذ يتوهمون أن الله يخفى عليه خافية، سراً كانت أو علانية، فقال: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ}، يقول: لا نعلم ونحيط من أمرهم ما يكتمونه من سرهم، ويكنونه في غيابات ضمائرهم.
  والمعنى الثاني في اسم الواحد الباري: أن يكون السميع هو المجيب للداعين ممن دعاه من عباده المؤمنين، والحجة في ذلك: فما حكى الواحد الكريم عن نبيئه زكريا وخليله إبراهيم حين يقول زكريا: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ٣٨}[آل عمران]، وقول خليله إبراهيم الأواه الحليم: {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ٣٩}[إبراهيم]، يعني #: إن ربي لمجيب لمن يشاء من الأنام، وفي ذلك ما تقول العرب لمن سأل من الله أو طلب: «سمع الله دعاك» أي: أجاب طلبتك ونداك.
  والوجه الثالث: قول القائل من الراكعين المصلين: سمع الله لمن حمده، ومعناه: أي قبل الله ممن حمده، وأثاب على شكره من شكره.
  فهذه الثلاثة الوجوه اللواتي يجوز أن يوصف بهن الرحمن وهن فواضحات عند من عرف العربية والبيان.
  والوجه الرابع: فلن يجوز على الواحد الجليل في شيء من الأقاويل، وهو موجود في المخلوقين، متعال عنه رب العالمين، وهو الإصغاء بالأذان، والإنصات لجولان دواخل الأصوات، ومستقر مفهوم القالات(١)، فتعالى عن ذلك المهيمن الكريم، المتقدس الواحد الفرد العظيم.
  وكيف يكون سبحانه كذلك أو يجوز المقال لمن قال فيه بذلك، وقد يسمع
(١) في (ب، هـ): المقالات.