مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

باب تفسير قوله: (السميع) والرد على من قال إنه سبحانه يسمع بجارحة

صفحة 162 - الجزء 1

  قول ذي الجلال والقدرة والمحال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١١}⁣[الشورى]، وقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ٤}⁣[الإخلاص]، والكُفْءُ: فهو المثل والنظير، في الصغير كان أو في الكبير، فلو كان ذا جوارح لكان ذا أعضاء، ولو كان ذا أعضاء لكان جزءاً فيه أجزاء، ولو كان أجزاءً لكان بلا شك جسماً، ولو كان جسماً لجرت عليه الحوادث والأزمان، ولأشبه ما خلق من الإنسان، ولو كان كذلك لم يكن بخالق ولكان مخلوقاً؛ لأن كل جسم لا بد له من جاعل مجسِّم؛ إذ لا بد لكل مجعول من جاعل، كما لا بد لكل مفعول من فاعل، ولكل مصنوع من صانع، ولكل مقطوع من قاطع، فسبحان من ليس كذلك ولا على شيء من ذلك، ولا تحيط به الظنون، ولا يصفه الواصفون، إلا بما وصف به نفسه من قوله هو، وأنه كما قال سبحانه في آخر الحشر: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ٢٢ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ٢٣ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ٢٤}⁣[الحشر].

  وكذلك وصفه أنبياؤه ورسله لمن حاربه وأنكره، وجحد نعمته وعانده، من ذلك قول الملعون اللعين فرعون للنبيين موسى وهارون صلى الله عليهما حين دعواه إلى الإيمان بربه، والإقرار بوحدانيته، فقال مجيباً لهما مكذباً لقولهما: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى ٤٩}⁣[طه]، فقال موسى صلى الله عليه: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ٥٠}⁣[طه]، فقال فرعون العمي⁣(⁣١) الأعمى: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى ٥١}⁣[طه]، فقال موسى: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ٥٢ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ٥٣ كُلُوا وَارْعَوْا


(١) في (ب، هـ): اللعين.