مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

باب تفسير قوله: (السميع) والرد على من قال إنه سبحانه يسمع بجارحة

صفحة 163 - الجزء 1

  أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى ٥٤}⁣[طه]، ومثل هذا شيء كثير غير قليل، فيما نزل الله من واضح التنزيل، من دلالة أنبيائه عليه، وذكرهم له بما نسبوا من فعله إليه، من ذلك قول هود صلى الله عليه لمن أرسل من الخلق إليه، حين يقول: {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ ١٣٢ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ ١٣٣ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ١٣٤}⁣[الشعراء]، ومن ذلك قول شعيب - صلى الله عليه - لأصحاب الأيكة المخسرين، فيما أمرهم به من طاعة رب العالمين: {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ ١٨٤}⁣[الشعراء].

  ومن ذلك قول إبراهيم المطهر الكريم لعبدة الأصنام، الشاكين في الله الطغام، حين يقول صلى الله عليه: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ٧٥ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ٧٦ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ٧٧ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ٧٨ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ٧٩ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ٨٠ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ٨١ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ٨٢ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ٨٣ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ٨٤ وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ٨٥}⁣[الشعراء]، ومن ذلك قوله صلى الله عليه لأبيه وقومه ودلالته إياهم على ربهم وربه ø حين يقول: {بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ٥٦}⁣[الأنبياء].

  فكل الأنبياء $ يدل على ربه ذي الجلال والإكرام بآياته وفعله، وما ذرأ وأوجد من خلقه، لا بتبعيض ولا بتصوير ولا تحديد، ولا بمشابهة لما خلق من العبيد، فسبحان من ليس له شبه ولا عديل، ولا ضد ولا مثيل، وهو الفرد الصمد الجليل، الذي كينونته في السموات العلى ككينونته في الأرض السابعة السفلى، الذي لا تراه العيون الناظرة، ولا تدركه الأوهام الخاطرة في الدنيا ولا في الآخرة، النافذ قضاؤه، والعزيز أولياؤه، والذليل أعداؤه، المرضي لمن أرضاه، المعذب لمن عصاه، الداعي إلى دار السلام، المبتدي بالفضل والإنعام، مبيد