باب الرد على أهل الزيغ من المشبهين
  المحتج بالبراهين النيرة على العبيد، العالي في دنوه، والداني في علوه، خالق السموات والأرضين، فهو الموجد لأولهن، والمبيد آخراً لما أوجد منهن، والمبدل لهن(١) في يوم الدين غيرهن.
  فإن قال: فما معنى كينونته فيهن وفي غيرهن مما بينهن، أَلِعِظَمِ جسم أحاط بهن وكان كذلك فيهن؟ أم لسرعة تحولٍ وانتقال منهن إلى غيرهن ومن غيرهن إليهن؟
  قيل له: ليس إلهنا سبحانه كذلك، ولا يقال فيه بذلك، وهو سبحانه متعال عن الانتقال، متقدس عن الزوال، وعن التصور في صورة الأجسام، تعالى عن ذلك ذو الجلال والإكرام، ولكن معنى قولنا: (إنه فيهن) هو أنه مدبر لهن، قاهر لكل ما فيهن، مالك لأمرهن، ولأمر ما بينهن وما تحتهن، لا أنه مستجن بهن، ولا داخل كدخول الأشياء فيهن.
  فإن قال السائل المتعنت: فما هو في ذاته عندكم؛ إذ كان كذلك في قولكم، وما تعتقدون في دينكم أجسم هو أم عرض؟
  قيل له: تعالى عن ذلك ربنا علواً كبيراً، لا نعتقد شيئاً من ذلك، وليس ربنا سبحانه كذلك؛ لأن الجسم محدود مبعض، والله فليس كذلك، والعرض لا قوام له إلا بغيره، والله فهو المقيم لكل شيء، الذي لا يحتاج إلى معونة شيء، فلذلك قلنا إن ربنا على خلاف قولك.
  فإن قال: أفنوراً تعبدون، أم ظلمة هو تقولون، أم غير ذلك مما يعقل تذكرون؟ وإلا فما أراكم تعبدون شيئاً عليه تقفون، ولا تدعونني إلى عبادة شيء أعرفه، ولا إلى الإقرار بإله يقف عقلي وفهمي على صفته، فكيف أعبد ما لا أعرف، أو أتعبد لما لست عليه أقف؟ وإنما لا يجب علي أن أقر به فضلاً على أن أعبده، وإنما يجب علي أن أعبد إلهاً عرفته فلم أنكره، ووقعت عليه حواسي فلم
(١) في (ب، هـ): بهن.