مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

باب ذكر الإرادة

صفحة 184 - الجزء 1

  ودنياهم، ولم يجعله في شتمه والفري عليه، ولا في قتل أنبيائه وتكذيب رسله، ولا في شيء مما غضب منه وعابه وعاب أهله وعذبهم عليه.

  فبهذه الآيات ونحوها علمنا أنه لا يَسْخَط شيئاً من تقديره، ولا يقدر شيئاً ثم يغضب منه ويعيبه ويعيب من فعله؛ لأن الحكيم لا يغضب من تقديره، ولا يعيب شيئاً من تدبيره، تعالى الله عما يقول الجاهلون علواً كبيراً.

باب ذكر الإرادة

  ثم ذكر سبحانه الإرادة في كتابه فقال: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}⁣[النساء: ٢٦]، وقال: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ٢٧ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ٢٨}⁣[النساء]، وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥]، وقال: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ٣١}⁣[غافر]، وقال: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ}⁣[التوبة: ٣٢]، وقال: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ٦٠}⁣[النساء]، وقال: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ ٤٤}⁣[النساء]، فأخبر تبارك وتعالى أن إرادته الصلاح والرشد واليسر، وأنها ليست في الظلم والغشم والكذب والفساد، [وأن إرادة الشيطان وأهل الباطل إنما هي في الكفر والظلم فمن أبى أن يقبل ما أمره الله به وينتهي عما نهاه الله كان من إرادة الله وحكمته أن يصليه النار بما كسبت يداه وجناه على نفسه⁣(⁣١)].

  فبهذه الآيات ونحوها علمنا أن الله إذا أمر بشيء فقد أراده إرادة أمر، لا إرادة جبر، وإذا نهى عن شيء لم يرده، ولم يغلب على كونه، والله لا يأمر بما لا يريد، ولا ينهى عما يريد، والله غالب غير مغلوب، وأنه أحكم الحاكمين.


(١) زيادة من (ب، هـ).