باب ذكر العبادة
  وإذا لم يفعله العبد لم يخلقه الله، ومحال زعموا أن ينفرد العبد [به(١)] دون الله، أو ينفرد الله به دون العبد، ولو(٢) كان كما يقول الجاهلون لكان الله محتاجاً إلى المخلوق في فعله، وكان كل واحد منهما محتاجاً إلى الآخر فيه، وهذا الكفر بالله العظيم، تعالى الله عن هذه المقالة علواً كبيراً.
  وقد نفى الله عن نفسه الكذب والكفر، وأضافهما إلى عباده فقال: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ٧٨}[آل عمران]، فأخبر أن شركهم وكفرهم(٣) ليس من كتابه ولا من عنده، فلو كان خلقه لكان من عنده، ولم يكن ليقول ليس من عندي وهو من عنده، تعالى الله عن الكذب علواً كبيراً.
  وقال: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}[المائدة: ١٠٣]، وقد علمنا أن الله خلق الشاة والبعير، فلم ينف عن نفسه ما خلق، وإنما نفى عن نفسه تحريمهم ما حرموا وكفرهم وحكمهم بما لم يأمرهم الله به، ولم يأذن لهم فيه فقال: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ٥٩}[يونس]، فلو كان [خلق(٤)] ذلك التحريم وذلك القول الذي قالوا، وجعل ذلك الشق الذي شقوه في آذان أنعامهم منه لم يكن ليقول مرة: ليس هو من عندي، ومرة لم أجعله، ومرة من عندهم، ومرة لم آذن لهم فيهم، وهم الذين جعلوه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
(١) زيادة من (ب، ج).
(٢) في (ب، ج، هـ): فلو.
(٣) في (هـ): وكذبهم.
(٤) زيادة من (ب، هـ).