باب ذكر الاستطاعة
  وقال: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ...} الآية [المجادلة: ٣]، ثم أخبر أن(١) من لم يستطع الصيام فلا صيام عليه وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ١٨٣ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}[البقرة]، وإنما المعنى: لا يطيقونه، فأخبر أنه قد وضع عنهم الصيام، وجعل عليهم الفدية بدلاً من الصيام؛ لأن الصيام يجهدهم.
  وقال: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}[النور: ٦١]، فوضع التكليف عمن لا يستطيع، وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: ٧٨]، وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥]، فأخبر أنه لا عسر في دينه ولا ضيق، فلو كلف عبيده ما لا يطيقون ثم عذبهم لكان أضيق الضيق، وأعسر العسر.
  وقال: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}[مريم: ١٢]، ولو لم يكن أعطاه القوة لم يأمره أن يأخذ بقوة، وقال: {نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ}[النمل: ٣٣]، فلم يكذبهم، ولم يرد عليهم مقالتهم كما أكذب المنافقين حين زعموا أنهم لا يستطيعون الخروج، وأنهم لو استطاعوا لخرجوا، فقال ø: {يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ٤٢}[التوبة].
  وكذلك العفريت حين قال لسليمان: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ٣٩}[النمل]، فلم يكذبه الله ولم يرد عليه، ولا أكذبه سليمان صلى الله عليه.
  وقال: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا}[الأعراف: ١٤٥]، فلولا
(١) في (أ، ب، ج، هـ): أنه.