باب ذكر المنزلة بين المنزلتين
  {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ٨}[المنافقون]، فهذه صفة المنافقين وليست بصفة أهل الكبائر وأهل الحدود من أهل الصلاة.
  وقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}[النساء: ١٤٢] ... إلى قوله: {فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ١٤٣}[النساء]، ومن أهل الكبائر من يقوم إلى الصلاة نشاطاً، ولا يرائي بها أحداً، ويكثر [من(١)] ذكر الله، وليسوا بمرتدين ولكنهم آثروا شهوتهم، فبعضهم يوجب الوعيد على نفسه ويؤمل التوبة، وبعضهم يدين بدين المرجئة.
  وقال الله ø: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ٩}[التحريم]، وقال: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ}[التوبة: ٦٤]، والنفاق في كلام العرب: إظهار الإيمان وإسرار الكفر، وهو الرياء؛ لأن الرياء إظهار الخير وإسرار الشر. والفساق قد أظهروا الفسوق ولم يسروه ويكتموه فبرئوا بذلك من النفاق، كما أن المرائي إذا أظهر ما في قلبه من الشر فقد برئ من الرياء وصار فاجراً فاسقاً، وكذلك المنافقون لو أظهروا ما في قلوبهم من الكفر والنفاق لكانوا مجاهرين بالكفر وزال عنهم اسم النفاق ولزمهم اسم الكفر والشرك.
  فبهذه الآيات ونحوها علمنا أن أصحاب الحدود من أهل الكبائر ليسوا بمنافقين ولا كفار، وإنما هم فساق ظلمة فجار معتدون، وفي هذا نقض قول من سماهم منافقين من أهل البدع.
باب ذكر المنزلة بين المنزلتين
  وذكر الله تبارك وتعالى براءة أهل الكبائر من الشرك فقال سبحانه: {اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}[التوبة: ٥]، وحرم علينا أن نقتل أهل الكبائر حيث وجدناهم.
  وقال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة: ٢٢١]، وحرم
(١) زيادة من (ب، هـ).