مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

شيء من علمه وتواضعه:

صفحة 20 - الجزء 1

  صلاته تأملته فإذا هو قد مشى في المسجد إلى قوم أعِلَّاءَ في ناحية منه فعادهم وتفقد أحوالهم بنفسه، ثم مشى في السوق وأنا أتبعه، فغيّر شيئاً أنكره ووعظ قوماً وزجرهم عن بعض المناكر، ثم عاد إلى مجلسه الذي كان يجلس فيه من داره فتقدمت إليه وسلمت عليه فرحب بي وأجلسني وسألني عن حالي ومقدمي فعرفته أني تاجر وأني وردت ذلك المكان تبركاً بالنظر إليه، وعرف أني من أهل العلم فأنس بي وكان يكرمني إذا دخلت إليه، إلى أن قيل لي في يوم من الأيام: إن غداً يوم المظالم، وإنه يقعد فيه للنظر بين الناس، فحضرت غداة هذا اليوم فشاهدت هيبة عظيمة، ورأيت الأمراء والقواد والرجالة وقوفاً بين يديه على مراتبهم، وهو ينظر في القصص ويستمع الظلامات ويفصل الأمور؛ فكأني شاهدت رجلاً غير من كنت شاهدته وبهرتني هيبته.

  فادعى رجل على رجل حقاً وأنكره المُدَّعَى عليه وسأله البينة فأتى بها، فحلَّف الشهود، فعجبت من ذلك، فلما تفرق الناس دنوت إليه وسلمت عليه وقلت: أيها الإمام رأيتك حلفت الشهود. فقال: هذا رأيي أنا أرى تحليف الشهود احتياطاً عند بعض التهمة؛ وما تنكر من هذا؟ هذا قول طاووس من العلماء التابعين، وقد قال تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا}⁣[المائدة: ١٠٧]، قال: فاستفدت في تلك الحال منه مذهبه وقول من قال به من التابعين والدلالة عليه، ولم أكن عرفت شيئاً منه قبل ذلك.

  وأنفذ إليّ يوماً من الأيام يقول: إن كان في مالك لله حق زكاة فأخرجه إلينا، فقلت: سمعاً وطاعة من لي بأن أخرج زكاتي إليه، وحسبت حسابي فإذا علي من الزكاة عشرة دنانير، فأنفذتها إليه.

  فلما كان ذات يوم بعث إليّ واستدعاني فإذا هو يوم العطاء والمال يوزن ويخرج إلى الناس، فقال: إني أحضرتك لتشهد إخراج زكاتك إلى المستحقين، فقمت وقلت: الله الله أيها الإمام كأني أرتاب فيك بشيء أو أشك في فعلك؛