كتاب تفسير الكرسي
  فقالت فرقة منهم: إن الله جل وتعالى خلق آدم صلى الله عليه على خلق نفسه، وإنه يضحك حتى تبدو نواجذه، وقالت فرقة: بل هو نور من الأنوار يكل عنه النظر ولا ينفذه البصر، وزعموا في زعمهم أن لله عرشاً مشتملاً عليه، وأن النبي صلى الله عليه وعلى أهله أسري به إلى السماء ووصل إلى الله ø ووجد برد أنامله في جسده، وأنه سمع الله سبحانه وهو يقول: كن كن(١).
  وقالت فرقة أيضاً: إن الله تعالى ذكره يظهر يوم القيامة ويرى عياناً، وإنه يكون يوم القيامة جالساً على العرش، ورجلاه على العرش(٢)، وإنه يكشف لهم ساقه ويحتجب عن الكفار فلا يرونه؛ فصغّروا الله سبحانه وجل ثناؤه غاية التصغير، وجهلوا قول الله: {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ٧٣}[آل عمران].
  فنقول لهم: أيها القوم إنكم جهلتم الله سبحانه فلم تعرفوه، وأشركتم بالله ø فلم توحدوه، والله سبحانه فقد وصف نفسه بغير ما وصفتموه، ونفى عن نفسه ما نسبتم إليه، فاسمعوا إلى قولنا وأنصفوا من أنفسكم، واقبلوا الحق إذا عرفتموه، ولا يفتننكم الشيطان ليخرجكم من أديانكم، فإن الله سبحانه يقول: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ٢٩}[الفرقان].
  فمما نذكر لكم ونحتج به عليكم: ما ذكر(٣) الله سبحانه في هذه الآية من قوله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ٢٥٥}[البقرة]، فأخبر الله سبحانه أن كرسيه قد وسع السموات والأرض يريد ø: أن هذا الكرسي اشتمل على السموات السبع فأحاط بأقطارها، وكذلك اشتمل على الأرضين السفلى فأحاط بأقطارها أيضاً، فصار الكرسي
(١) في (هـ): فيكون.
(٢) في (أ، د): الكرسي. مظنن.
(٣) في (ب): ذكره.