مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

كتاب تفسير الكرسي

صفحة 241 - الجزء 1

  عن أبي ذر الغفاري⁣(⁣١) رحمة الله عليه أنه قال: يا رسول الله، أي آية أنزلها الله تبارك وتعالى عليك أعظم؟ قال: «آية الكرسي» ثم قال: «يا أبا ذر ما السموات والأرض عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض».

  فانظر إلى ما ذهب إليه النبي ÷، يريد: أن الكرسي اشتمل على السموات والأرض كما اشتملت الأرض على الحلقة الملقاة في جوفها، فدخلت السموات والأرض في الكرسي كما دخلت الحلقة في الأرض، فبطل كل شيء مما خلق الله ø وهلك وغاب، فذهب من كل عرش وسماء وأرض، وثبت هذا الكرسي لا غيره، وكان هذا الكرسي من وراء كل شيء واسعاً لكل شيء، فلم يبق عرش ولا مخلوق ولا سماء ولا أرض ولا جنة ولا نار ولا جن ولا إنس ولا ملائكة ولا هواء ولا شيء مما خلق الله ø حتى صار داخلاً في هذا الكرسي؛ لقول الله سبحانه: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ}⁣[البقرة: ٢٥٥]، فكل شيء مما خلق الله سبحانه فقد أحاطت به السموات والأرض وما بينهما، وهذا الكرسي فقد أحاط بالسموات والأرض وجميع ما فيهما، فاعرف هذا الكرسي معرفة جيدة، وتدبره وانظر فيه نظراً مكرراً، فإني قد كررت لك الوصف فيه؛ لتدبره وتعرفه كيف هو، وقف على ما وصفت⁣(⁣٢) لك فيه وتيقنه، فإذا عرفته ووقفت عليه بما وصفت لك سواء فانظر الآن إلى ما ذهبتُ إليه وما


(١) أبو ذر الغفاري: اختلف في اسمه، والأشهر: جندب بن جنادة، من السابقين الأولين، الرفقاء النجباء المقربين، لازم النبي ÷ حتى قبضه الله تعالى، ثم سكن المدينة حتى نفاه عثمان إلى الربذة وبها مات؛ وكان قوّالاً بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم؛ قال فيه النبي ÷: «ما أظلت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء، أصدق لهجة من أبي ذر»، وقال أمير المؤمنين فيه: (وعاء مُلئ علماً، وقد ضيعه الناس). توفي سنة اثنتين وثلاثين، ولم يعقب.

(٢) في (ب، هـ): ذكرت.