مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

كتاب العرش والكرسي

صفحة 249 - الجزء 1

  {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} يريد سبحانه أن السموات والأرض لا يحفظانه، يخبر أنهما لا يمسكانه، وكيف يمسكانه أو يحفظانه ø وهو يخبر أنه خارج منهما محيط بأقطارهما؟! واصلٌ من ورائهما ووراء ورائهما إلى ما لا يصل إليه غيره ø، وقد قال النبي ÷ لأبي ذر رحمة الله عليه: «يا أبا ذر، ما السموات والأرض في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في الأرض» يقول ÷: ما السموات والأرض بأقطارهما في⁣(⁣١) ورائهما مما هو أوسع منهما من حد أقطارهما إلى ما لا منتهى له إلا كالحلقة الملقاة في الأرض، فأخبر ÷ بعظمهما وجسمهما أنهما داخلتان⁣(⁣٢) في الكرسي كدخول الحلقة في الأرض، فما لعسى موضع الحلقة من الأرض؟ أليس كأن ما وراء الحلقة من أقطار الأرض إلى تخومها وجبالها وأشجارها وأنهارها وما فوقها وتحتها أوسع وأعظم وأرحب مما وسعت⁣(⁣٣) الحلقة منها؟ وكانت الحلقة أصغر شيء منها، وكان القليل الحقير الصغير اليسير ما قد وسعه الله وأحاط به، وهو يخبر سبحانه أنه هو الذي وسعهما وأحاط بهما، حتى صارتا بعظمهما وكبرهما في إحاطة علمه كالحلقة الملقاة في الأرض.

  ومعنى قولي «في إحاطة علمه» أي: في إحاطته بنفسه؛ لأنه لا علم له غيره، فالله ø قد أحاط بالسموات والأرض كإحاطة الأرض بالحلقة الملقاة في جوفها، وهاهنا والله تاهت العقول وضلت الأحلام، وانقطعت الفِكَر في الله ø.

  وفي كتاب الله ø تصديق هذا الحديث عن النبي ÷ - قول الله ø: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ}⁣[البقرة: ٢٥٥]، يخبر أنه هو الذي وسع السموات والأرض، وأنهما لم تسعاه ولم تحوياه ولم تمسكاه ولم تحفظاه، بل كان هو ø المحيط بهما والواسع لهما والممسك لهما والحافظ لهما، وذلك قوله ø: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا


(١) لعل (في) هنا بمعنى (مع) مثل قوله تعالى: {ادخلوا في أمم} أي: مع أمم. (محقق).

(٢) في (ب، هـ): داخلات.

(٣) في (ب، هـ): حوت.