[معنى قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى 5} وقوله: {وكان عرشه على الماء}]
  يدل على ملك الله، ومعنى يدل على ملك الله: أنه يدل على الله؛ إذ هو الْمُلْكُ بنفسه، فكان في المعنى عندنا سواء أن يقول القائل: لا ملك إلا ملك الله، أو يقول لا عرش إلا عرش الله؛ فلذلك قلنا: إن العرش متصل بالله كاتصال الكف بساعدها؛ لأنه في غاية المعنى أن العرش علو الله على جميع الأشياء بنفسه.
  وإنما مثل الله علوه على جميع الأشياء وإحاطته بها كعلو الملك على سريره إذا استوى عليه واستعلى فوقه في المثل لا غيره، وليس في الشبه والصفة إلا في المثل، والعرش الذي ذكره الله ø هو مثل ضربه الله في استوائه على ملكه، وإنما تفسير هذا المثل الذي ضربه الله لعباده في العرش والكرسي أن الملك من ملوك الدنيا إذا قعد على كرسيه وعلى سريره استعلى فوقه، والعرش فهو السرير، فمثل الله عرشه وكرسيه بهذا العرش وهذا الكرسي، فكان كرسي الملك من الملوك(١) كرسياً ضعيفاً صغيراً، والذي استوى فوقه أضعف منه وأحقر منه، وكذلك العرش أيضاً فهو في الضعف والصغر كمثل الكرسي، وسواء الكرسي والعرش كلاهما مقعد للملك يقعد عليه ويستوي فوقه.
  وكرسي الله ø فقد وسع السموات والأرض حتى صار من عظم سعته السماء والأرض في كرسيه كالحلقة الملقاة في الأرض، وصار الكرسي محيطاً بهما كإحاطة الأرض بتلك الحلقة، فكانت السموات والأرض لصغرهما وضيقهما في سعة الكرسي عليهما كضيق الحلقة وصغرها في سعة الأرض عليها، وكان الكرسي مشتملاً على السموات والأرض كما اشتملت هذه الأرض على هذه الحلقة، والواسع لهما بعظمهما كما وسعت الأرض هذه الحلقة، [و(٢)] الله الذي لا إله إلا هو وسع الأشياء كلها حتى أحاط بها وملأها وغمرها، وليس ثم كرسي غير الله إنما هو مثل مثله الله لعباده؛ ليستدل به على عظمته واتساعه على جميع الأشياء وإحاطته بها.
(١) في (هـ): ملوك الدنيا.
(٢) زيادة من (أ).