مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[معنى قوله تعالى: {رب العرش العظيم 129} و {رب العرش الكريم 116}]

صفحة 253 - الجزء 1

  ومن الدليل على أن الله ø أراد بذكر الكرسي والعرش أن يعرف عباده عظم سعته وإحاطته بالأشياء قوله ø: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ١٢}⁣[الطلاق]، وقوله: {وَاللَّهُ مِنْ وَرَاءِهِمْ مُحِيطٌ ٢٠}⁣[البروج]، وكثير في كتاب الله [ø(⁣١)] مما يدل على أن الله محيط بالأشياء، وهذا الكرسي مما يدل على إحاطة الله بجميع الأشياء واتساعه عليها، وتفسير العرش أيضاً كتفسير الكرسي سواء سواء، فهذا معنى قولنا: إن العرش هو الله، وإن الوجه هو الله، وإن الكرسي هو الله.

[معنى قوله تعالى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ١٢٩} و {رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ١١٦}]

  فإن قال قائل: ألستم تقولون: هو الله؟

  قلنا له: نعم.

  فإن قال: فما معنى قوله: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ١٢٩}⁣[التوبة]، وقوله: {رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ١١٦}⁣[المؤمنون]؟

  قلنا له: معنى ذلك عندنا كمعنى قوله سبحانه: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ١٨٠}⁣[الصافات]، وهو العزيز بنفسه، وكذلك قلنا: إن العرش هو الملك وهو الملك بنفسه.

  ومعنى «رب الملك» و «رب العزة» أي: مالك الملك ومالك⁣(⁣٢) العزة، يريد: صاحب الملك وصاحب العزة، ومالك الشيء ورب الشيء سواء في المعنى؛ فلذلك جعلنا العرش متصلاً بالله؛ لأنه مِلْك الله، ومُلْك الله متصل به، ولذلك لم يكن بين الملك⁣(⁣٣) وبين الله فرق؛ لأنه لو جاز لنا أن نفرق بين الله وبين ملكه لقلنا: إن الله خلق الملك - في زمن الملك - في ذاته، وملك الله ø فلا يقاس بملك العباد؛ لأن العباد إنما صاروا ملوكاً بما ملكوا، والله فهو الملك


(١) زيادة من (ب).

(٢) مالك: ساقطة من (ب).

(٣) في (هـ): العرش.